ما زالت جلسات اللجان المشتركة النيابية المنعقدة لدرس مشروع وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية (الكابيتال كونترول)، تخضع لمآرب وارتباطات كل عضو من أعضاء المجلس النيابي. ظاهرياً، الكل مع القانون، لكن… هناك انقساماً بين من ينظر إلى المشروع باعتباره لزوم ما لا يلزم لأنه فقد موجب إقراره، وهذا يستدعي ربطه بقوانين أخرى مثل إعادة هيكلة المصارف والتوازن المالي... وبين من يُصرّ على المضي فيه بعد تعديله بحجّة أن المصارف تواصل تهريب الأموال إلى الخارج. بهذه الخلفية، باتت الجلسات عبارة عن تكرار مُملّ تتداخل فيه المصالح والأجندات، فيما هناك ثابتة وحيدة: أموال المودعين طارت سواء أُقرّ القانون أو لم يُقرّ.بعد مرور 8 جلسات على نقاش مشروع قانون الكابيتال كونترول المرسل من حكومة نجيب ميقاتي، لم يتمكن المجلس النيابي من الاتفاق على أهم مسألتين: «الأموال الجديدة» والمادة المتعلقة بالدعاوى ضدّ المصارف. أمس، عاد النقاش إلى اللجنة التي ستتولى تنفيذ ووضع القيود المفروضة على الأموال، علماً بأنه لم يُتّفق حول تعريف هذه اللجنة، بل أُجّل بتّ الأمر لحين الانتهاء من تحديد عملها. المفارقة أنه في جلسة أمس، قرّر المجلس ترك المادة الثالثة المتعلقة بإنشاء لجنة خاصة تسمى «اللجنة»، كما أوردتها الحكومة من دون أي تعديلات جذرية. ما يعني فعلياً أن المتسببين بالانهيار المالي والأزمة والمتفرّجين على السرقات والمشاركين بها، سيناط بهم إدارة لعبة السحوبات والتحويلات في الفترة المقبلة، وهما بشكل أساسي وزير المال وحاكم مصرف لبنان: وزير المال بما يمثّل سياسياً، وحاكم مصرف لبنان الذي نفّذ هندسات مالية وتلاعب بسعر الصرف وفرض هيركات مقنّعاً على الودائع، ليغطّي خسائر في القطاع المالي تتخطّى 70 مليار دولار. ثمة من يقول إنه وإلى حين نفاذ القانون، يكون الحاكم قد أنهى مهامه وإن تضمنّت اللجنة 4 خبراء اقتصاديين وقاضياً من الدرجة 18 وما فوق يختارهم مجلس الوزراء باقتراح من رئيس الحكومة. لكن مجرّد تكليف الحكومة ورئيسها بتعيين الأعضاء يشير إلى تقييد عمل هؤلاء سياسياً، ووفق مصالح السلطة والمصارف لا مصالح المودعين. لا سيما أن آلية عمل اللجنة كما جاءت في مشروع القانون، وبحسب ما أجمع عليه النواب، تُحدّد بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء الذي سيتولى أيضاً إصدار المراسيم التطبيقية منفرداً، وكما يراها مناسبة من دون أن يكون ضمن نصّ القانون أي فقرة تتحدّث عن إمكانية محاسبة هذه اللجنة في حال ارتكابها تجاوزات أو حتى مراقبتها. أبرز وصف لتلك اللجنة جاء على لسان النائب جميل السيد الذي سأل: «هل يمكن أن يكون الحرامي القديم هو الناطور الجديد؟».
كل ما يحصل بشأن هذا الملف، يثير الشكوك في سبب استماتة البعض لإقرار القانون بصيغة مشوّهة، ولا سيما أن رأس حربة المنادين بضرورة صدوره هما رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، اللذان كانا حتى الأمس القريب رافضين تماماً لإمراره. ذلك لا يلغي واقعة وجود نواب فعلاً يهتمون بمصلحة المودعين، ويريدون وقف الاستنسابية والتهريب المستمرّين. ولا يلغي أيضاً تلطّي البعض الآخر خلف المودعين لمنع إقرار قانون تقييد التحويلات لرغبتهم بإبقاء الأمور على ما هي عليه، أي كما يريدها سلامة وسليم صفير وأنطون صحناوي ورفاقهم، بإطفاء الخسائر من جيوب الناس وعبر «هيركات» خيالي على أموالهم للهروب من المحاسبة وتحمّل المسؤولية. هؤلاء يمثّلهم النائب ميشال معوض، ونواب القوات والاشتراكي الذين يملأون الشاشات غداة كل جلسة ليستخدموا أموال المودعين كشماعة ويصرون على ربط القانون بالخطة المالية وهم كانوا أول من أطاحوا بها وعارضوها علانية.
جميل السيد سأل: هل يمكن أن يكون الحرامي القديم هو الناطور الجديد؟


في هذا السياق، برز الخلاف أول من أمس بين معوض وميقاتي. أشار الأول إلى تلقّيه عدّة اتصالات من سفراء يعاتبونه على معارضة الكابيتال كونترول. ولما سألهم معوض، كما قال، عن الجهة التي اشتكت، أبلغوه بأن ميقاتي هو «الواشي». إذاً بات «الكابيتال كونترول» عبارة عن صراع بين نواب المصارف والدول التي كانت راعية لتلك المصارف والسياسيين الذين اعتادوا على تنفيذ أوامر السفراء من دون اعتراض. في خضم ذلك، ما زالت الحكومة بشخص رئيسها تمتنع عن إرسال أي شخص مخوّل تفسير الفقرات الواردة ضمن القانون، فنائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي يحضر الجلسات، أوضح أن لا دخل له في الصياغة، تماماً كوزير العدل هنري خوري الذي حضر أول من أمس. هذه الإشكالية تخالف عمل اللجان بحيث يفترض أن يكون النقاش في المشروع بين النواب والحكومة التي صاغته لا بين النواب أنفسهم.

السيّد يعيد «وسخ» الحكومة إليها
من منطلق عدم رمي الحكومة «غسيلها الوسخ» على مجلس النواب، تقدّم النائب جميل السيد، أمس، باقتراح قانون يتضمن مادة وحيدة بموجبها تتحمّل الحكومة مسؤوليتها بعيداً من مجلس النواب. وتنصّ المادة على الآتي: «خلافاً لأي نص آخر عام أو خاص، ومع تأكيد أولوية الحفاظ على أموال المودعين وعدم المسّ بها، أُجيز للحكومة بالتنسيق مع مصرف لبنان اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير والقرارات الرامية إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقّتة على التحاويل المصرفية إلى خارج لبنان، وعلى السحوبات النقدية في داخله من الحسابات المصرفية بالعملات الأجنبية». وحدّد السيد وقت سريان القانون بسنتين قابلة للتجديد مرّة واحدة من قبل مجلس الوزراء، بناء لاقتراح مصرف لبنان، على أن يودع تقرير فصلي من الحكومة إلى مجلس النواب عن تلك التدابير والإجراءات والنتائج العملية التي ترتبت عنها.