بالأمس فقط بات الدولار الجمركي واقعاً، غداة إرسال وزير المال يوسف الخليل كتاباً إلى مصرف لبنان يطلب فيه احتساب أسعار العملات الأجنبية على الضرائب والرسوم التي تستوفيها إدارة الجمارك بالنسبة للسلع والبضائع المستوردة، على أساس 15 ألف ليرة للدولار وذلك اعتباراً من 1/12/2022. وربط الخليل بين هذا التعديل والسعي إلى «الحدّ من فروقات الأسعار والتخفيف من التشوّهات والخسائر التي تتكبدها الخزينة». بمعنى آخر، يعوّل وزير المال على إيرادات الدولار الجمركي الجديد لسدّ فجوة الموازنة، وهو ما سبق أن أعلنه صراحة، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال جلسات مناقشة الموازنة. ففي ظل تعمّد ميقاتي وشركائه عدم إقرار أي خطّة إصلاح لتحقيق نهوض اقتصادي، وفي ظل انكبابهم على تفخيخ كل القوانين الإصلاحية، تستمرّ السلطة بسياسة الترقيع عبر فرض المزيد من الضرائب على المواطن وتحميله وحده وزر كل فشلها وسرقاتها وانعدام الحلول العملية لديها. الكتاب الذي أرسله وزير المال يوسف الخليل إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لتعديل قيمة الدولار الجمركي يحمل أخطاء جمّة، على ما يقول مدير المحاسبة السابق في وزارة المال أمين صالح. فسلامة ليس «من يحدّد سعر الصرف الجمركي الذي سيكون أساساً لفرض الرسوم والضرائب، بالتالي يُفترض أن يعدّل بمراسيم وقوانين، فيما وظيفة الحاكم تتصل فقط بالسياسية النقدية. حتى أنه ليس مخولاً بتحديد سعر صرف الليرة. بالتالي، فإن الطلب منه احتساب الدولار الجمركي على أساس 15 ألفاً يعارض المواد 81 و82 و83 من الدستور، ويقود نحو آلية جديدة لفرض ضرائب من دون إقرانها بقانون». أما ادّعاء الخليل بأن هذا التعديل سيحقق إيرادات للخزينة العامة، فهو أمر لا يمت إلى الواقع بصلة وفقاً لصالح. إذ إن من سيستفيد فعلياً «هم التجار الذين سبق لهم أن خزّنوا البضائع ودفعوا رسومها وضرائبها قبيل سريان هذا القرار». وهنا يأتي الخطأ الثاني، فالسبب الأساسي لمنح مجلس النواب تفويضاً للحكومة للقيام بالتشريع الجمركي، هو الحفاظ على سرية القرارات الجمركية وإبقاؤها سرية وفجائية منعاً لاستغلالها بغرض تكديس البضائع. إنما ما جرى في لبنان هو الحديث عن رفع التعرفة الجمركية منذ نحو سنتين. ويؤكد صالح أن «تهريب البضائع سيزدهر من مرفأ بيروت عبر تصنيف البضائع على أنها «ترانزيت» ثم وضعها بشاحنات وتفريغها داخل الأراضي اللبنانية لتخرج بعدها المستوعبات فارغة إلى خارج الحدود». المعادلة باتت واضحة: «زيادة الرسوم الجمركية لن تسبب سوى مزيد من الإفقار للفقير».
رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة، يعني زيادة بمقدار 10 أضعاف على السلع المستوردة غير المعفاة من الرسم الجمركي، وهو ما سينعكس على أسعار البضائع وعلى سلوك المواطن ونسبة الاستهلاك (بلغ استهلاك السلع المستوردة 70%). يقول عضو المجلس الاقتصادي عدنان رمال، إن هذا القرار «لن يطاول فقط الرسم الجمركي، إنما أيضاً يشمل الضريبة على القيمة المضافة. فالسلعة المقدّر ثمنها بألف دولار مثلاً، والتي كانت ضريبتها 165 ألف ليرة، ستضرب بدولار جمركي بـ15 ألف ليرة، وسيترتب عليها TVA بقيمة مليون و650 ألف ليرة. من هذا المنطلق يمكن قياس ارتفاع أسعار السلع حتى تلك المعفاة من الجمرك بحكم اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي أو الدول العربية بحكم أن الضريبة على القيمة المضافة سترتفع أيضاً 10 أضعاف. بالتالي هذا الرسم الجمركي سيمسّ كل ما يدخل إلى البلد بنسبة تتراوح ما بين 7% و35% وبمعدل وسطي يتراوح ما بين 20% و25%. أما الاحتياجات من سلة غذائية واستهلاكية كالثياب وقطع السيارات فسوف ترتفع أسعارها بما يتراوح ما بين 20 إلى 40%. وهو ما يؤدي إلى حرمان الطبقات الفقيرة والمتوسطة من تأمين احتياجاتها». ويرى رمال أن الإيرادات المتوقعة لن تتحقق لأنها مبنية على أرقام وهمية بفعل احتسابها الدولار الجمركي الجديد منذ حزيران الماضي. إلا أن ما تحقّق فعلياً «هو توسيع الفجوة ما بين الضريبة ومداخيل عموم اللبنانيين، ففي حين زادت رواتب القطاع العام 3 مرات والقطاع الخاص من 5 إلى 8 مرات، قرّرت الحكومة ضرب كل الأسعار بمضاعفة الدولار الجمركي 10 مرات و20 ضعفاً باعتمادها على صيرفة». 
يمكن قياس ارتفاع أسعار السلع بحكم ارتفاع ضريبة القيمة المضافة 10 أضعاف


الحديث عن أثر صغير وضيق لرفع الدولار الجمركي باعتباره سينسحب على الكماليات فقط، ينفيه رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، لأنه «سيطاول كل المواد الأساسية التي تدخل في الصناعات المحلية، وأيضاً العلف والسواد والكيماويات، ما سينعكس على كل الإنتاج بما فيه الفواكه والخضار». الأخطر، يكمن في أن التجار «سيجدون فرصة إضافية لتبرير زياداتهم بالقول فقط إن كل الأسعار ارتفعت حتى لو أنها لا تطاول سلعهم. وذلك هو نتاج «الترقيع» المعتمد لحلّ مشكلات الخزينة»، وفقاً لبرو. وسيقود ذلك نحو «تضخم إضافي وانهيار متواصل في سعر الليرة».
من جانبه، يشير رئيس لجنة الاقتصاد النيابية النائب فريد البستاني إلى أن الإيرادات ستنخفض على عكس ما يصوره البعض، لأن الموازنة ضرائبية فقط وليست استثمارية وتأتي في ظل غياب أي قطع حساب. ولكن خطة الحكومة تقول إن «السوق سيركلج بعضه خلال شهرين وسيتم صرف البضائع القديمة المستوردة على دولار جمركي منخفض ليتم البدء باستيراد بضائع جديدة تؤمن إيرادات للخزينة».