بقلقٍ شديد، ينتظر أكثر من 50 ألف مسافر دائم من موسكو إلى بيروت، وبالعكس، عودة الرحلات الجويّة بين البلدين، بعد انقطاع مستمر منذ ثلاثة أشهر.فمع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتوسّع العقوبات الغربية على أساطيل النقل الروسية، سارعت شركة الخطوط الجويّة الروسية «إيرفلوت»، إلى وقف تسيير رحلاتها المعتادة إلى بيروت. إذ إن حملة المصادرات التي طالت الطائرات الروسية والبواخر واليخوت من أوروبا وأماكن أخرى من العالم، دفعت بـ«إيرفلوت» إلى تنفيذ إجراءات حماية، ولا سيّما في الدول التي للأميركيين نفوذ واسع فيها، خشية وضع اليد عليها بحجّة العقوبات الغربية.
قبل انتشار وباء كورونا والإقفال العالمي، وصل عدد رحلات إيرفلوت بين بيروت وموسكو إلى أربع أسبوعياً ذهاباً وإياباً على متن طائرات متوسّطة الحجم أو كبيرة. وبعد انحسار الوباء وتراجع موجة الإقفال، سيّرت الشركة رحلتين ثابتتين من مطار موسكو إلى مطار بيروت وبالعكس، لم تكونا كافيتين لتلبية حاجات الرّكاب من العائلات والطلّاب وأصحاب الأعمال.
وفي إطار سعيها لتفادي الضغط الغربي وضمان سلامة الطائرات الروسية، سعت «إيرفلوت» والسفارات الروسية في الخارج إلى الحصول على ضمانات من عدد من الدول، من بينها لبنان، لتواصل رحلاتها إليها من دون خشية من الضغوط الأميركية. وقبل نحو أسبوعين، طلبت الشركة عبر المديرية العامة للطيران المدني تعهّداً من الحكومة اللبنانية بعدم تنفيذ القيود الأميركية في بيروت أو مصادرة طائراتها. وسعت السفارة الروسية في بيروت للحصول على هذا التعهّد، نظراً إلى التجارب السابقة مع التدخلات الأميركية في عرقلة تطوير العلاقة بين موسكو وبيروت.
الردّ على الرسالة جاء عبر وزارة الأشغال، التي أكّدت في رسالة جوابية أن طريق الرحلات التجارية مفتوح بين البلدين من ضمن الأطر والقوانين المرعيّة الإجراء. رسالة وزارة الأشغال، وإن كانت تجيب على الطلب الروسي بإيجابية، إلّا أن الجانب الروسي لم يحصل على الطمأنينة الكافية. فالمسألة ليست تقنية فحسب ليتمّ إلقاء العبء على وزارة الأشغال والوزير علي حمية، بل هي سياسية، وقد يتغيّر الموقف في أي لحظة من قبل الحكومة في حال تعرّضها للضغوط الأميركية، كما جرت العادة في السنوات الماضية، إذ عُرقل العديد من المشاريع والمبادرات المشتركة على خط موسكو ـ بيروت.
ويقارن الروس علاقة موسكو بالأردن والسعودية والإمارات ومصر وقطر، حيث للنفوذ الأميركي سطوة أكبر من لبنان، ومع ذلك تتابع الشركات العربية رحلاتها إلى موسكو وبالعكس وتستمر «إيرفلوت» في تسيير الرحلات إلى هذه الدول، من دون الخشية من إجراءات عقابية، بعدما قدّمت الدول الأخرى رسائل تطمينية جديّة للجانب الروسي.
هذه المراوحة في حلّ الملفّ، تنعكس سلباً على واقع المستفيدين اللبنانيين من هذه الرحلات، وخصوصاً أن البديل من الرحلات المباشرة هو الخطوط التركية بشكل أساسي، والتي تصل كلفة الرحلة الواحدة من بيروت إلى موسكو على متنها إلى حوالي 2000 دولار.
ومن بين الحلول المقترحة لحلّ الأزمة، إلى جانب التعهّد الواضح من الحكومة لطمأنة الشركة الروسية بأن لبنان لن يخضع للضغوط الأميركية، جرى التداول باقتراح أن تقوم شركة «ميدل إيست» بتسيير رحلات من بيروت إلى موسكو وبالعكس، وهو ما يعود أيضاً بمردود مالي على الشركة اللبنانية. وبحسب المعلومات، فقد نوقش الموضوع خلال لقاء السفير الروسي في بيروت ألكسندر روداكوف مع حميّة الاثنين الماضي، إلى جانب الاقتراحات الأخرى، مع تأكيدات لـ«الأخبار» من قبل مصادر السفارة الروسية ووزارة الأشغال بأن «الأمور إيجابية، وهناك حل مناسب قريباً لإنهاء مأساة اللبنانيين والروس المتضررين من توقّف الرحلات المباشرة».
دول عربية عدة قدمت ضمانات للشركة الروسية لاستئناف رحلاتها


لكن رغم الإيجابية في احتمال تولّي «الميدل إيست» المهمّة بدل «إيرفلوت»، إلا أن مصادر «الأخبار» أكّدت صعوبة حصول الشركة اللبنانية على موافقة من شركات التأمين لتسيير رحلات مباشرة، خشية العقوبات الأميركية أو تنفيذاً للقرار الغربي، علماً بأن شركات التأمين الغربية لم تغيّر في سلوكها مع الشركات العربية الأخرى التي لا تزال تسيّر رحلاتها إلى موسكو.
ولا يبدو من السياق السياسي لسلوك الحكومة اللبنانية خلال الأشهر الماضية، ومواقفها من الحرب في أوكرانيا، أن الحكومة جاهزة لتقديم ضمانات فعليّة للشركات الروسية. إذ إن الدبلوماسية اللبنانية، بغطاء من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، تتماهى مع الموقف الأميركي إلى حدّ كبير من خلال التصويت في الأمم المتحدة ضد المصالح الروسية، والانحياز إلى الرواية الغربية في مقاربة الحرب في أوكرانيا والتعاون مع الجانب الروسي.
فهل تراعي الحكومة اللبنانية مصالح اللبنانيين المباشرة، أم أن المصلحة الأميركية تتقدّم على ما عداها؟