لم يخرُج وليد جنبلاط من الانتخابات النيابية إلا رابحاً. في أسوأ الأحوال يمكِن القول بأنه أقل الخاسرين. أعطته صناديق الاقتراع كتلة من تسعة نواب هم تيمور جنبلاط، مروان حمادة، أكرم شهيب، راجي السعد، بلال عبدالله، فيصل الصايِغ، وائل أبو فاعور، غسان سكاف وهادي أبو الحسن (كتلة الاشتراكي بعد عام 2018 ضمّت 8 أعضاء بعد استقالة اثنين منها هما حمادة وهنري حلو). ولو كانَ لجنبلاط حظّان لما كانَ ليظفَر بكتلة وازنة ويتخلّص في الوقت نفسه من خصميه التقليديين في الجبل الوزيرين طلال إرسلان ووئام وهاب. وفوق ذلك كله، سجل مكسباً إضافياً بفوز فراس حمدان في الجنوب الثالثة، ومارك ضو في عاليه، والأخيران ليسا بعيدين عن محيط الاشتراكي.ليسَ بسيطاً أن يعبُر جنبلاط هذا الامتحان بنتيجة كهذه. بعدَ ثلاث سنوات من انتفاضة تشرين، وفيما كانت غالبية القوى السياسية تصارِع للبقاء، تبيّن أن لرئيس الحزب الاشتراكي نفوذاً متغلغلاً في النفوس في الجبل وفي كل مكان له امتداد فيه. الآن يشعر جنبلاط بأن وزنه السياسي لم يتناقص بل زاد، ما يجعله أكثر الأطراف المطلوب دعمهم في المرحلة المقبلة بينَ «غالبيتيْن»، بمعزل عن المعادلات الرقمية التي أفرزتها الانتخابات.
بينَ حزب الله وحلفائه والتيار الوطني الحر من جهة، وأحزاب القوات والكتائب وبقايا المستقبل والمستقلين و«التغيريين»، تتجه الأنظار إلى موقف جنبلاط في الاستحقاق الأول الذي ستواجهه البلاد في الأسابيع المقبلة وهو الصراع على رئاسة مجلس النواب. أين سيقف زعيم المختارة؟ وهل سيكون ضمن الفريق «السيادي» الذي يسعى سمير جعجع إلى تزعمه أم يبقى في الوسط؟
قبلَ موعد الانتخابات، تعرّض جنبلاط لضغوط سعودية للسير في تحالف انتخابي مع جعجع، ووصل دعم الرياض للقوات حدّ الإيحاء بتزعّم جعجع الفريق الموالي للمملكة. أما الآن، وفيما يحاول جعجع لعب هذا الدور من خلال السعي إلى إنشاء تكتل مناهض لحزب الله والتيار الوطني الحر يجمع قوى سياسية و«تغييرية»، تكثر علامات الاستفهام حول اصطفاف جنبلاط في هذه المعادلة.
العارفون بالرجل يؤكدون أن انتخاب بري لولاية جديدة أمر خارج البحث بالنسبة لجنبلاط الذي سيمنح أصوات كتلته كلها لصديقه التاريخي. أما في ما يتعلق بالانضمام إلى الحلف الذي يسعى إليه جعجع، فهو «مذموم» بالنسبة لجنبلاط، ليسَ فقط لأنه يدرك بأنه «خيار» سيؤدي إلى أخذ البلاد إلى أقصى درجات التوتير كما في عام 2008، وليسَ لأنه يرفض المغامرة والحماسة غير المدروسة مجدداً. بل لأن جنبلاط لن يقبلَ بأن يكون ضمن فريق يُقاد من سمير جعجع الذي سيسعى في الأسابيع المقبلة إلى فرض نفسه أكثر فأكثر في المملكة، بالادعاء بأن الدعم الذي حصل عليها صُرِف في مكانه الصحيح وانتزع الأكثرية النيابية من يد حزب الله وحلفائه.
انتخاب بري لولاية جديدة أمر خارج البحث بالنسبة لجنبلاط الذي سيمنح أصوات كتلته كلها لرئيس المجلس


تقول المصادر إن جنبلاط ذهبَ إلى تحالفات انتخابية مع جعجع مضطراً، فهو كانَ بحاجة إلى معراب كما كانت الأخيرة بحاجة إليه، وكانَ الاثنان يبحثان عن وسائل تمنع غرقهما في مستنقع الاستحقاق النيابي الذي تهيّبه الجميع.
لكن تجديد جنبلاط لشرعيته في الشارع الدرزي، فضلاً عن فوزه في اختبار البقاء وتفرده بالزعامة التقليدية لمدة 4 سنوات أخرى، كلها ستجعله «أقوى» وبغنى عن الحاجة إلى الالتحاق بفريق «السياديين»، القدامى والجدد. وهو إن تقاطع مع نواب «التغيير» في ما يتعلق بالخطاب الاقتصادي والمالي و«الثوري»، وتلاقى مع أحزاب وقوى 14 آذار في خطاب ضد سلاح المقاومة، إلا أنه سيترك لنفسه هامشاً للمناورة وتحقيق المكاسب. الجميع يعلَم أن الود المفقود بينَ جنبلاط وحزب الله والتيار الوطني الحر لا يضاهيه سوى بغض متبادل مع القوات اللبنانية، لذا سيختار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في الصراع الدائر بينَ الفريقين الجلوس على الضفة، حيث يفضّل دائماً، في انتظار ما سيجرفه إليه النهر.