استعادت القرى الحدودية في دائرة الجنوب الثالثة الصخب الذي لا تغرفه إلا في «المناسبات». عشية الانتخابات، عجّت بأبنائها المقيمين خارجها والمسافرين، وبعضهم لا يزورها إلا كل سنة مرة. مسيرات سيارة داعمة للمرشحين، أعلام تحلّق، وأناشيد حزبية تصدح. لا يمكن أن يتمتع المرء بهذه «النعمة» من دون أن يعود بالذاكرة إلى أيام الاحتلال الإسرائيلي «عندما كان الشباب ممنوعين من زيارة قراهم وأبناء البلدة محرومين من ممارسة حقهم الانتخابي والاستمتاع بالأجواء الحماسية» يقول البعض. لذا، يشعر معظم أبناء هذه القرى بأنهم مدينون، بصوتهم على الأقل، للجهة التي حرّرت أرضهم. لذلك، صوّتوا بكثافة وخاصة في القرى الحدودية الشيعية، وأجمعوا على البصم بالسبابة رمزاً لإصبع السيّد.في قضاء مرجعيون، لحركة أمل مناصرون لا ملاحظات لهم على النائب علي حسن خليل. يجدّدون له في كل استحقاق انتخابي «كرمى للنهج والخط والأستاذ»، كما يقول الرجل المنتظر في الطابور أمام قلم اقتراع في الطيبة، يحمل طفلاً ويجرّ اثنين آخرين. يريد للثلاثة بأن «يتعلّموا منذ الآن».
ورغم مشاركة المجتمع المدني في المعركة بلائحة مكتملة هي «معاً نحو التغيير»، إلا أن مندوبيها غابوا عن معظم القرى الشيعية. وحيث حضروا في بعض مراكز الاقتراع، عانوا من التمييز في التعاطي، ليس من مندوبي الأحزاب فقط، بل أيضاً من القوى الأمنية ورؤساء الأقلام. في مركز في الطيبة، صرخت رئيسة القلم بمندوب اللائحة لأنه اعترض على دخول أكثر من ناخب إلى القلم. «أنا السلطة هنا وممنوع أن تتدخل»، كررتها مراراً، ثم أمرت بطرده واستبداله بآخر.
غياب ماكينة المعارضة لا يختلف في الخيام. في المدرسة الابتدائية الرسمية، أو «مدرسة البركة» في الحي الشمالي، حيث يقطن مسيحيو البلدة، يقول شاب يلبس قبعة خضراء لأحد الناخبين الذين يدخلون المدرسة: «ما تنسى يا حاج، أنت دافع دم». الحضور المسيحي في المدرسة متواضع جداً، ويعود إلى «تراجع عددهم في البلدة ككل بعدما باعوا أرضهم للمسلمين»، كما تروي فتاة عشرينية عن جدتها. الصوت المسيحي ينقسم بشكل أساسي بين مرشحين: إلياس جرادة مرشح المعارضة وأسعد حردان مرشح الثنائي الشيعي. التصويت لجرادة كان على قاعدة: اللي بيجرب المجرب بكون عقلو مخرّب»، لذلك سيعطون فرصة لناس جدد «نظيفي الكف». لا ثقة لديهم بأحد بعد كل ما عانوه. لذا «سنجرّب» جرادة و«سنطالبه بالبنى التحتية وتحسين الظروف المعيشية والاجتماعية»، يقول متقاعد في الجيش اللبناني «لا يساوي راتبي التقاعدي أكثر من علبة دواء». أما التصويت لحردان فكان على قاعدة «اللي منعرفو أحسن من اللي منتعرّف عليه». تقول سيدة تقف أمام كنيسة مار الياس في بلدة البويضة قرب مرجعيون ترتدي سترة مطبوع عليها: «منحبك أسعد حردان»، إنها انتخبته «لأنه يمتلك هيبة وعزّ وله كلمة داخل المجلس النيابي وخارجه وصاحب قرار مؤثر».
في زمن القلة يجد خير الدين الكثير من المدافعين عنه


باستثناء صور المرشحين للمقعد الدرزي في لائحة الجنوب الثالثة مروان خير الدين وفراس حمدان، لا شيء يشير إلى الانتخابات النيابية في حاصبيا الخجولة. مندوبو «معاً نحو التغيير» ينغلون داخل المركز وأمامه. هنا وجدت اللائحة مكاناً لتتنفّس وتطلق العنان للترويج لمرشّحها حمدان.
مثل الصوت المسيحي، جاءت دوافع الإدلاء بالصوت الدرزي على أساس الإيمان بالتغيير أو عدمه أكثر من الإيمان ببرامج المرشحين. يرى ناخبو حمدان أنهم ينتخبون «فريقاً تغييرياً كاملاً لديه فكر ونهج وليس حمدان لشخصه». إلى ذلك، يجدونه أقرب إلى الشعب من خير الدين، «فهو ابن المنطقة وشارك في الثورة ويعرف همومنا، لذا لن يكون أسوأ من الطبقة السياسية الحاكمة»، بحسب سيلفانا ابنة حاصبيا. لكنهم يتأسفون من وجود «نظام انتخابي يجعل صوتهم غير مؤثر، ويعطي حظوظاً لخير الدين بفضل أصوات الثنائي الشيعي». وعن الحملة التي شنّها جمهور المقاومة على مرشح المعارضة، يقول ريان زويهد «إنها عادة تخوين كل معارض»، معتبراً أن «قضية الحزب وسلاحه غير ملحّة في ظل دولة مفلسة بلا سيادة»، من دون أن ينكر فضل المقاومة بالتحرير لكنه في الوقت ذاته يرى «أنّنا تخطّينا عام 2000 وصرنا في 2022».
في زمن القلة وسرقة الودائع، يجد خير الدين الكثير من المدافعين عنه. «مدعوم من طلال أرسلان»، تقول إحدى السيدات. تسأل الثانية: «من هو حمدان؟ لا نعرف عنه شيئاً. صحيح أنه مرشح قوى التغيير، لكننا شاركنا في الثورة وعرفنا أنه لا خبز لها في حاصبيا وفي الجنوب كله».
في بنت جبيل، ذات الغالبية الشيعية، انحسر وجود مندوبي الاعتراض في البلدات التي للشيوعيين فيها حضور وازن كشقرا وعيترون. لم يجد علي مراد أحد مرشحي الاعتراض استقبالاً حاراً في بلدته عيترون كالاستقبال الذي حظي به النائب حسن فضل الله ابن عيناتا المجاورة. الرغبة بالتغيير بدت خجولة أمام خطَّي حزب الله وأمل، ففي حين طالب مؤيدو لائحة التغيير بـ«تغيير لا يلغي وجود المقاوم»، اختار ناخبو الحليفين «الوفاء فوق أرضٍ سقاها شهداؤها من دمائهم نصراً منذ اثنين وعشرين عاماً».
وفي النبطية، تعرّضت «خيمة الثورة» في ساحة حراك النبطية للتكسير والتخريب عقب صدور النتائج الأولية للفرز التي أظهرت تقدماً كبيراً لمرشّحي الحزب وأمل.