تصف «كلّنا إرادة» نفسها بأنها منظّمة ملتزمة بالإصلاح السياسي، تسعى إلى إقصاء الأحزاب السياسية اللبنانية التقليدية، وتصوّر لبنان «مدنياً لامركزياً وحديثاً» يعتمد على «اقتصاد ليبرالي يقوده القطاع الخاص ويتمتع بتوجه عالمي قوي».«الإصلاح» مطلب مستمر، مع ضبابية ما ينطوي عليه هذا المطلب. ومع ذلك، تنحاز «كلّنا إرادة»، في إطار سياساتها ومهامها، إلى مطالب ومعايير الإصلاح التي يقودها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وممثلو المجتمع المدني في «المجتمع الدولي»، حيث تطالب المؤسسات المالية الدولية بحكم يقوم على أساس «الحوكمة الرشيدة».
وقد سبقت مؤسسة «المديرين التنفيذيين الماليين الدوليين اللبنانيين» (LIFE) «كلّنا إرادة»، في لعب دور أساسي في تعزيز نفوذ جيل جديد من المصرفيين اللبنانيين في الخارج كبديل عن القادة السياسيين في الداخل.
(LIFE) منظّمة لها أعضاء وامتداد عالمي من المصرفيين اللبنانيين تهدف إلى «توجيه تأثيرهم» في المجالات المتعلقة بالتمويل، فضلاً عن ممثليها في العواصم المالية الرئيسة في أنحاء العالم، بما في ذلك أستراليا وكندا وفرنسا وهونغ كونغ وسنغافورة وسويسرا والإمارات وبريطانيا وأميركا. تأسّست عام 2009، ولعب المحامي كميل أبو سليمان، المقيم في الولايات المتحدة والذي اختارته القوات اللبنانية مطلع عام 2019 لتمثيلها في الحكومة وزيراً للعمل، دوراً رئيسياً في تأسيسها. عضو آخر في LIFE هو جو عيسى الخوري، والد مروان عيسى الخوري. مروان هو ابن شقيقة رياض ورجا سلامة ومحاميهما. عمل جو سابقاً في الفرع الفرنسي لشركة «ميريل لينش» وعُيّن مروان محامياً من قبل الأخوين سلامة في كانون الثاني 2012، وعضواً في مجلس إدارة الشركة القابضة العقارية (SI 2 SA) ومقرها جنيف، والتي كشف تحقيق سويسري أن سلامة استخدمها لغسل 300 مليون دولار لشراء عقارات في جنيف. ويضم مجلس إدارة (LIFE) أيضاً ريما معوض، ابنة الرئيس السابق رينيه معوض، ووهبي تماري، رئيس مجلس إدارة البنك العربي ونجل عبد الله تماري، الذي اشترى 14 في المئة من أسهم (Intra) عام 2013، وهي شركة استثمارية تخضع لإشراف مصرف لبنان ورياض سلامة. يخوض كلّ من ميشال معوض (شقيق ريما) وزوجة وهبي، بولا يعقوبيان، الانتخابات المقبلة.
وليست LIFE السلف المباشر لـ«كلّنا إرادة». فالأخيرة التي تأسّست عام 2017، تضم عدداً من أعضاء (LIFE) في مجلس إدارتها. وليد شمّاس، الرئيس التنفيذي للموجودات الرأسمالية، عضو في «المجلس العالمي» لـ«كلّنا إرادة». خليل برّاج، المستثمر في مجموعة (Invus) في نيويورك، عُيّن رئيساً لمجموعة «نحو الوطن» وهو أيضاً عضو في «كلّنا إرادة». حبيب كيروز، عضو مجلس إدارة سابق في (LIFE)، ومصرفي استثماري في (Rho Capital)، هو أحد أعضاء المجلس التنفيذي في «كلّنا إرادة». وفراس أبي ناصيف، الشريك الإداري في (Telios Capital)، وهو صندوق تحوط مقره سويسرا تزيد أصوله على مليار دولار والمدير السابق لـ (Vision Capital) ومقرّه نيويورك، مع أكثر من مليار دولار من الأصول، عضو في مجلس إدارة كلّ من (LIFE) و«كلّنا إرادة».
أجرى صندوق النقد الدولي مطلع عام 2020 نقاشات في «معهد كارنيغي» في بيروت مع عامر بساط، مدير صندوق التحوط (Blackrock)، وشارك فيها أيضاً كميل أبو سليمان. ومن الأهداف التي حدّدها بساط للمؤسسة تسهيل استمرارية تحويلات الاستثمارات الخاصة إلى لبنان، باعتماد الإصلاحات الهيكلية (الخصخصة الشرسة)، والإلغاء التدريجي لدعم الدولة، و«الانضباط المالي». وقد طالبت (LIFE) بإنهاء دعم شركة كهرباء لبنان منذ عام 2017.
يضم مجلس إدارة «كلّنا إرادة» مستثمرين من عدد من صناديق التحوط أو المصارف، أبرزها:
- Blackrock: أكبر شركة لإدارة الأصول وواحدة من أكثر الشركات المالية في العالم تأثيراً، تجمع ثروتها من محاربة الأنظمة الحكومية في جميع أنحاء العالم، وإقامة علاقات المصلحة، وإيقاع الدول في شرك الديون عبر ابتلاع أموال المشاريع الاستثمارية في محافظها الاستثمارية. أربعة من كبار موظفي (BlackRock) الحاليين أو السابقين يتوزعون على فريق «كلّنا إرادة» التنفيذي ومجلسها العالمي ومجلس إدارتها. عامر بساط، مستشار صندوق النقد الدولي السابق والمفاوض الاقتصادي، يلعب دوراً استشارياً هاماً في مجلس إدارة المنظمة ويشغل حالياً منصب رئيس الأسواق السيادية والناشئة في (Blackrock). جورج بيطار كان رئيساً مشاركاً سابقاً لقسم الأسهم الخاصة العالمية في (BlackRock) قبل أن يشارك في تأسيس شركة (Merrill Lynch Global Private Equity) ويترأسها. مي نصر الله، الرئيسة السابقة للخدمات المصرفية الاستثمارية في «ميريل لينش»، عينت مستشاراً أول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة Blackrock في تشرين الأول 2020. وسام كيروز، يعمل في «مورغن ستانلي» منذ عام 2009، بدأ مسيرته المهنية في إدارة الأصول ذات الدخل الثابت في (BlackRock) لأربع سنوات.
- Booz & Co / Booz Allen Hamilton: شغل ثلاثة أعضاء من «كلّنا إرادة» مناصب رفيعة المستوى أو إدارية في (Booz Allen Hamilton) أو الشركات التابعة لها؛ من بين هؤلاء، ديانا منعم، المديرة التنفيذية، التي قدمت المشورة للشركة بشأن السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعبدو جورج قديفة من «المجلس العالمي»، وبول نجار من مجلس الإدارة، الذي عمل في (&Strategy)، الاسم الأحدث لشركة (Booz)، لمدة 7 سنوات.
- Merril Lynch: ينحدر بعض أعضاء «كلّنا إرادة» أيضاً من «ميريل لينش»، البنك الذي جاء منه رياض سلامة في فرنسا قبل أن يصبح حاكماً للبنك المركزي عام 1993. بول روفاييل، المدير التنفيذي في «ميريل لينش» من 1994 إلى 2004 لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. جورج بيطار، العضو في مجلس إدارة «كلّنا إرادة»، أسّس وترأس شركة «ميريل لينش» العالمية من 1994 إلى 2009 قبل الانضمام إلى (Blackrock). وسام كيروز، العضو في «المجلس العالمي»، هو المدير الإداري السابق في مجموعة التمويل العالمية للرافعة المالية التابعة لـ «ميريل لينش». وغابي عبد النور من مجلس «كلّنا إرادة» العالمي الذي عمل في الفرع الآسيوي لـ «ميريل لينش» في هونغ كونغ وسنغافورة، وكان موضوع تحقيق دولي في ممارسات التوظيف الفاسدة في هذا الفرع في عام 2012.
يمثل الأعضاء الآخرون في «كلّنا إرادة» شركات الاستثمار الرأسمالي مثل (Rho Capital) و (Gulf Investment Corporation) و(Morgan Stanley) و (JP Morgan) و(Bain Capital) و(Bank Audi) و(Credit Suisse) وغيرها الكثير، مع أكثر من نصف أعضاء مجلسها العالمي، والقيادة التنفيذية، ومجلس الإدارة من مصرفيين استثماريين رائدين في هذه الشركات.
في لبنان، اشترت صناديق التحوط ما يقدّر بنحو 2.1 مليار دولار من السندات المالية في لبنان (أو الودائع). ويشمل المتاجرون بالانهيار صناديق التحوط الدولية العملاقة مثل Amundi و Ashmore و BlackRock و BlueBay و Fidelity و T-Rowe Price بالإضافة إلى صناديق التحوط الأصغر، والتي تمتلك حوالي 40 في المئة من سندات لبنان، بينما تحتفظ بالحصة الباقية البنوك التجارية اللبنانية.
يضم مجلس إدارة (LIFE) ريما رينيه معوض ووهبي تماري زوج بولا يعقوبيان


تعكس مقترحات سياسة «كلّنا إرادة»، بالتوازي مع خلفية قاعدة عضويتها التنفيذية المصرفية الرفيعة المستوى، السياسات والخطط المفروضة من الخارج من أجل «الإصلاح» الذي وافق عليه صندوق النقد الدولي، والذي يرتكز على استعادة جاذبية لبنان للمستثمرين الدوليين في اقتصاد ريعي غير منتج. وتقترح المنظمة، في رسالتها المفتوحة إلى صندوق النقد الدولي، مطالب تهدف إلى حماية القطاع المصرفي، ودعم الحوافز للبنوك وإسناد «عملية إعادة الهيكلة» إلى «سلطة مستقلة» لم تسمها. كما أنّ التوصية بأن تقوم 3 إلى 5 شركات للقانون الدولي والاستشارات المالية بتسهيل عملية إعادة هيكلة الديون، يقع في السياق المصرفي الاستثماري نفسه لخلفية معظم قياداتها وأعضائها. دعمت «كلّنا إرادة» خطة (Lazard)، وطلبت في الحال عروض RFP من شركات القانون المالي والاستثمار التي تم التعاقد معها لتنفيذ عملية الإصلاح. انتقل كميل أبو سليمان، من (Dechert LLP)، أحد مكاتب المحاماة الذي يتخذ من لندن مقراً له ويتنافس على المقترحات، لترؤس مشاورات الحكومة اللبنانية وحكومة دياب الجديدة في ذلك الوقت. بالإضافة إلى فرانسوا خياط، المدير الإداري لشركة (Lazard Paris) وعضو مجلس إدارة (LIFE).
مع امتناع كبرى شركات إدارة الأصول في العالم عن التفاوض على صفقة لإعادة هيكلة الديون مع لبنان، تعمل «كلّنا إرادة»، التي تمثل البعد المالي الدولي، كوسيط رئيسي لهذه الصفقات - بهدف إزاحة «النخب» المحلية في الحكومة بسرعة كافية لنقل السلطة إلى النخب المالية الأجنبية في أرفع المؤسسات المالية الدولية.

5 سنوات من الإرادة
تقدّم «كلّنا إرادة» نفسها على أنها مجموعة ضغط (لوبي) غير منحازة وغير حزبية. وتلزم المنظمة أعضاءها بعدم الترشح للانتخابات أو المشاركة في أيّ استدراج عام للعروض بما يتضارب مع مصالح المنظمة ومهمتها، وفقاً لنظامها الداخلي. مع ذلك، تلعب «كلّنا إرادة»، بمجلس إدارتها الذي يهيمن عليه مديرو صناديق التحوط والمصرفيون الاستثماريون، دوراً فاعلاً في محاولة التأثير في مجريات الانتخابات اللبنانية والدفع إلى نتائج لمصلحة تيار جديد مؤيد للغرب.
تسعى «كلّنا إرادة» إلى تمكين لبنان من تمرير «الإصلاحات» الاقتصادية من خلال التشجيع والضغط لإعادة هيكلة الديون، وإعادة هيكلة النظام المصرفي، وسياسات مالية ونقدية تهدف إلى توحيد أسعار الصرف، وهي سياسات تتماشى مع مطالب صندوق النقد الدولي.
ورغم النأي بنفسها عن اعتبارها جماعة سياسية، إلاّ أنّ عمل «كلّنا إرادة» يهدف إلى دعم مرشحي المعارضة في الانتخابات النيابية المقبلة التي تحدثت عنها ديانا منعم، المديرة التنفيذية للمجموعة منذ نيسان 2021 ، لـ«الأخبار» على أنّه يمكن اعتبارها «محطة» في مسار تغيير البيئة السياسية في لبنان.
تعمل «كلّنا إرادة» مع كل الائتلافات والأحزاب في المجتمع المدني الذي يقود المعارضة. وفي الانتخابات النيابية الأخيرة، تحالفت مع «الكتلة الوطنية»، بالإضافة إلى دعمها للعديد من اللوائح الكتائبية. عام 2017، رسخت «كلّنا إرادة» نفسها كمنصة معنية بالسياسة والانتخابات، وذلك بعد الإعلان عن إطلاقها عام 2016، وهو العام الذي كان فيه بعض نواب 14 آذار السابقين يخرجون من الباب الدوار للسياسات الحزبية لدخول معترك المجتمع المدني والشركات الاستشارية والتسويقية لإعادة تقديم التيار المناهض لـ 8 آذار والمؤيد للغرب على أنه حراك شعبي في أعقاب حركة «طلعت ريحتكم». من أبرز الأعضاء المؤسسين، الراحل رمزي نجار، مؤسس فرع المشرق العربي في شركة (Saatchi & Saatchi) للإعلانات ومقرها لندن، ومالك شركة (S2C) للإعلان والإعلام، حيث قام بصياغة الخطاب الإعلامي والدعائي لمقترحات وعروض «الثورة»، واستنساخ الدور الذي لعبه هو وشركاته الإعلانية، جنباً إلى جنب مع (Quantum Communications)، في تسويق «ثورة الأرز» عام 2005.
روّجت «كلّنا إرادة» للخطاب الذي يدعو إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وتشكيل حكومة إنقاذ تكنوقراطية «مستقلة عن النظام السياسي والاقتصادي الحاكم منذ انتهاء حرب (1975-1990)، لتولي مسؤولية الفترة الانتقالية»، كما ورد في بيانٍ صادرٍ عنها في تشرين الثاني 2019.
«كلّنا إرادة» هي المنظمة الوحيدة من المجتمع المدني التي تمت دعوتها إلى محادثات مؤتمر «سيدر» لعام 2018، ربما بسبب خلفية العديد من أعضائها المصرفيين الدوليين والمستشارين القادمين من مؤسسات مالية دولية كبرى. كما تم اختيارها مرة أخرى للتوسط لفكرة حكومة انتقالية مع المبعوث الفرنسي كريستوف فارنو في 11 كانون الأول 2019. وفي اليوم نفسه، استضافت باريس اجتماع مجموعة الدعم الدولي للبنان (ISGL)، الذي حضره بعض أعضاء «كلّنا إرادة» التي طالبت بتشكيل حكومة لبنانية جديدة من أجل تحرير 11 مليار دولار من أموال «سيدر» كمساعدات. بعد انفجار المرفأ، عُيّنت «كلّنا إرادة»، إلى جانب جمعية الشفافية اللبنانية (LTA) ومؤسسة «مهارات»، في هيئة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي وخطة البنك الدولي الإصلاحية (3RF)، وهي وسيلة أخرى للإصلاحات السريعة من أجل الحصول على المساعدات.
بالإضافة إلى الدولة المدنية، تنادي «كلّنا إرادة» بلبنان «ذي سيادة»، مما يعني أن «الدولة يجب أن تكون لها السلطة الوحيدة على الدفاع». تتمسك «كلّنا إرادة» بهذا الموقف مؤكدة على «الحياد»، مشيرة إلى أن «السيادة لا يمكن أن تكون جزئية ولا يمكن التسامح مع أي وجود عسكري خارج القوات المسلحة الشرعية». كما لوحظ أن بعض مسؤولي «كلّنا إرادة» روجوا في الاجتماعات والجلسات الداخلية لفكرة تسمية نواف سلام رئيساً لحكومة انتقالية مستقلة. تم اقتراح سلام كرئيس محتمل وسط مداولات لاختيار رئيس وزراء جديد أواخر عام 2019 بعد استقالة الحريري وبعد انفجار مرفأ بيروت في آب 2020.