في وقتٍ بات فيه الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، عاموس هوكشتين، خارج المشهد أو أخرجَ نفسه منه لدواعٍ تكتيكية، اقتحمت شركة «إنرجين» اليونانية واجهة الأحداث بعد تسييرها رحلة سفينة الإنتاج fpso باتجاه حقل «كاريش» المتنازع عليه، معلنةً أنها ستسلّم الشحنة الأولى من الغاز المستخرج منه لمصلحة العدو في الربع الثالث من العام الجاري. فيما يسيطر الجمود على المقلب اللبناني الذي تلقّف الخبر عبر الإعلام من دون أي تعليق رسمي.بحسب معلومات «الأخبار»، انطلقت السفينة Energean Power (FPSO) من سنغافورة نهاية الأسبوع الماضي، وقد جرّتها القاطرتان Boka Sherpa وPosh Falcon، ويتوقع أن تستكمل عملية القطر بمساعدة القاطرة Boka Expedition التي أبحرت لملاقاة منصّة الإنتاج في المحيط الهندي، بعدما تعذّر وصولها في الموعد المحدد لخضوعها لأعمال صيانة في دبي. ويتوقع أن تستغرق رحلة fpso حوالي شهر في حال كانت وجهتها قناة السويس. أما في حال وقوع عوامل تقنية تؤدي إلى إعاقة عبورها القناة باتجاه المياه الفلسطينية المحتلة، فسيكون الخيار البديل الالتفاف حول قارة أفريقيا وصولاً إلى مضيق جبل طارق والعبور منه باتجاه المتوسط نحو المياه المحتلة، وهذا قد يأخذ وقتاً، ما قد يؤثر على خطط الشركة للإنتاج في الربع الأخير من العام.
إسرائيلياً، بدت تل أبيب متهيّبة للحظة وصول سفينة الإنتاج إلى «كاريش» الذي يعدّه لبنان حقلاً متنازعاً عليه طبقاً للرسالة التي أودعها الأمم المتحدة أواخر كانون الثاني الماضي، وطبقاً لمحاضر المفاوضات غير المباشرة التي عقدت برعاية أميركية في مقر قوات «اليونيفيل» في الناقورة على مدى خمس جلسات، كان آخرها في أيار 2021. لذلك، اعتمد العدوّ إجراءات احترازية لتجنب وقوع «نزاع عسكري» مع لبنان وفقاً للتوصيف الذي اعتمده إعلام العدو، من بينها البحث في إمكانية تقليص نطاق الإبحار في محيط الحقل بقطر يبلغ مداه 1500 متر، لمنح منظومات fpso مساحة مفتوحة تمكّنها من تشخيص أي جسم مشبوه يقترب منها. ويعود ذلك أساساً إلى تحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في تشرين الأول الماضي العدو من التصرف في المنطقة المتنازع عليها في البحر قبل حسم موضوع ترسيم الحدود البحرية، فيما وردت تهديدات أوضح عن لسان مسؤولين آخرين في الحزب كرئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد الذي قال إن الغاز سيبقى مدفوناً ولن يستطيع الإسرائيلي استخراجه.
وساطة هوكشتين فشلت عملياً وخيارات لبنان متنوّعة شرط التخلّي عن سياسة الإهمال


وفيما ينشغل الجانب الإسرائيلي في توسيع دائرة الأمان حول الحقل، مستفيداً من العجز الرسمي اللبناني، يواصل لبنان سياسة الانتظار، مراهناً على الوساطة الأميركية لإعادة تفعيل المفاوضات غير المباشرة، علماً بأن الجمود الذي يعتري الوساطة الأميركية يُعزى الى رغبة واشنطن في إفساح المجال أمام بدء أعمال الإنتاج في «كاريش» من الجانب الإسرائيلي. فيما تتخذ من التشتّت اللبناني ذريعة لعرقلة المفاوضات وتأخيرها وطلب ضمانات لبنانية لاستئنافها وابتزاز لبنان في ملف استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية لانتزاع تنازلات إضافية.
مصدر معني قال لـ«الأخبار» إن هوكشتين «لم يقم بأي خطوة» منذ تقديمه آخر عرض رسمي إلى الدولة اللبنانية (منح لبنان الخط 23، مع قضم جزء من حقل قانا، قبل أن ينحني أمامه بشكل مائل باتجاه خط هوف، ويقضم قسماً من البلوك الرقم 8)، فيما تولّت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا تسيير الأعمال نيابة عنه، لكن على شكل ضغوط على الأفرقاء السياسيين للقبول بالشروط الأميركية والموافقة بجواب خطّي على العرض. غير أن امتناع لبنان عن الرد، واستمرار تعامله مع الملف باسترخاء باتا أمراً يستفيد منه العدو. من هنا، تتّجه الأنظار إلى طريقة تصرّف المقاومة حيال ما يحصل.
ما أوصل إلى الإخفاق في هذه المعركة السياسية هو التقلّب الدائم في الموقف الرسمي اللبناني كالتراجع من الخط 29 إلى الخط 23، إضافة إلى التراجع عن مضمون الرسالة المودعة لدى الأمم المتحدة من خلال إطلاق تصريحات رسمية ساهمت في إفقادها قوتها القانونية.
وتعتقد المصادر أن إعادة الاعتبار للموقف اللبناني وعرقلة الخطط الإسرائيلية في كاريش تبدآن من خلال تفعيل ورشة تعديل المرسوم 6433، الذي قال رئيس الجمهورية ميشال عون سابقاً إن أمره متروك كخيار يصلح اللجوء إليه في حال فشل المفاوضات، التي بتنا عملياً أمامها. وعلمت «الأخبار» أن وزير الأشغال علي حمية، إضافة إلى وزراء آخرين، يمكنهم إعادة وضع مشروع تعديل المرسوم 6433 على طاولة مجلس الوزراء في ما تبقّى من جلسات، من دون استبعاد العوامل السياسية المؤثرة في الملف، وأهمها موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وكان حميّة قد طلب في مستهل تأليف الحكومة، خلال أيلول الماضي، الملف كاملاً للاطّلاع عليه، واعداً بأنه خلال 48 ساعة سيكون قد أعدّ رؤية قانونية حوله، وبناءً عليه يتخذ الإجراءات المناسبة.