وعلى سيرة البخارِ الانتخابي، انبعثت روح مفاجئة في بيروت مع إطلالة هلال شهر رمضان وإفطاراته مَحَت إحباطَ سنةٍ (أو أقلّ بقليل) من غيابٍ للعُربِ عن لبنان. على قاعدة «لا يفيدك إلا قديمك»، وفي غياب الحماسة للزفاف مع الضرّة «السبعتعشية»، نُفض الغبار عن الآذاريين الأصليين في محاولة يائسة لاستنهاض هممٍ هائمة في همومها قبل أيام من استفتاءات شعبية لا يريدها أحد منهم. لكن رغم ذلك، ما زال العرس الديمقراطي قائماً، حتى الآن، ومليئاً بالفواصل الترفيهية الهزلية، من نجيب «اسمي خالد علوان» إلى فادي «كما يقولون في الدارج self made man»، ومن وضاح «الثائر على خطى بولا يعقوبيان» إلى التوأمين ميشال حرب ومجد المر وغيرهم من العرسان. عرسان يُعقد عليهم الأمل بمستقبل «غَير» في لبنان.
حب اللبناني للأعراس بخير، مثل الليرة، لكنّ المشكلة أنه في العُرف غالبية الزيجات تشترط مهراً، ولا حفل زفاف من دون تنقيط، أو كما يقولون في الدارج «liste de mariage». المهر في البنك لا خوف عليه، أما التنقيط فحاله حال الغاز المصري. السخاء الأوروبي والأميركي لم يُتَرجم بهجة، لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه. أما بالنسبة إلى الكرم العربي الذي اعتادت عليه الأكثريات النيابية في مجلس تلو الآخر، فقد حوّله محمد بن سلمان إلى استثمارات خاسرة في لوحات فن ويخوت ترف ورؤى وهم وعواصف عزم. كانت توجد بوادر تمويلية من البنكرجيين الجدد المنتشرين الذين أسّسوا منابر لقيادة المجموعات الثورية غير السياسية. لكنهم كغيرهم تراجعوا بعد أن فرّقتهم الخلافات الشخصية، غير السياسية هي الأخرى، وبعد أن تبيّن أن حسابات حقل ساحاتهم لا تتطابق مع حسابات بيدر صناديق اقتراعهم. على الأقل، البنكرجيون الجدد، بعكس القِدِم، يثقون بالأرقام التي تظهرها الآلات الحاسبة.
أكثر من سيخيب ظنه إن أُرجئت الانتخابات هم جماعة الـ 200 والـ 300 صوت الذين سيدّعون أن المنظومة خافتهم فأسكتتهم
يُحكى عن إمكان تأجيل الانتخابات أو إلغائها، ومن المعروف أن الأعراس اللبنانية لا تكتمل من دون مفرقعات وألعاب نارية، وفي بعض الأحيان رصاص طائش. أكثر من سيخيب ظنه إن حصل ذلك هم جماعة المئتين والثلاثمائة صوت، الذين سيدّعون أن المنظومة خافتهم فأسكتتهم. هؤلاء هم تحديداً من عنتهم عبارة «نوماً هنيئاً لأطفالكم» في دعوات الأعراس التقليدية. أما بالنسبة إلى «الكبار في الغرفة»، وهو التعبير الذي استخدمته رئيسة صندوق النقد الدولي السابقة ورئيسة البنك المركزي الأوروبي الحالية كريستين لاغارد لتعيير اليونانيين باختيارهم لحزب يساري لمفاوضة صندوقها عندما كانت تُخضعهم لشروط الدائنين، فعليهم أن يتمسكوا بالانتخابات، فهي من آخر مقوّمات شرعية دولتهم. لكن أيضاً عليهم أن يَعوا أن المعركة الحقيقية لا تدور في مبنى وزارة الداخلية والبلديات يوم الخامس عشر من أيار، بل على الجانب الآخر من شارع الحمرا، حيث «صيغة الذهب». هم طبعاً يدركون ذلك، ولذلك لا بأس أن يكون العرس الانتخابي «من قريبو» وبميزانية متواضعة. والرقصة الأولى ستكون حتماً على أنغام أغنية «بلا ولا شي»، لأن ما يهمّ هو الحب الحقيقي وليس المظاهر. أكيد أنهم يدركون ذلك. لكن ماذا يفعل الفرزلي وخير الدين وكنعان على رأس الدبكة؟
لا زالت الأفراح في دياركم عامرة…