المفاوضات بين التيار الوطني الحر والحزب القومي ــــ قيادة الروشة بدأت منذ أكثر من شهر، وتخللتها جلسات عديدة بين الطرفين تضمّنت عرضاً انتخابياً شاملاً من الشمال الى الجنوب. عملياً، هناك 3 مرشحين للحزب القومي في كل من الشمال الأولى (شكيب عبود على المقعد الأرثوذكسي) والشمال الثانية (وليد العازار على المقعد الأرثوذكسي في الكورة) والمتن الشمالي (أنطون خليل عن المقعد الماروني). الخلاف بين التيار والقومي برز حول ترشيح خليل في المتن الشمالي. أولاً، لأن حظوظه بالفوز معدومة نتيجة مقاطعة جزء من القوميين له وخصوصاً في بلدات عينطورة وضهور الشوير وجوارهما، وبالتالي هناك من يرى أن تسميته غير موفقة ومضرّة بجسم الحزب، وخصوصاً أنه كان مقرباً من رئيس الحزب السابق أسعد حردان وأن ترشيحه لن يظهر حجم الأصوات القومية بل سيبدّدها. وثانياً، لأن ترشحه على لائحة ميشال الياس المر أثار حفيظة التيار الوطني الحر، إذ يرى رئيس التيار جبران باسيل أن التحالف مع القومي إما أن يكون في كل الدوائر بما فيها المتن الشمالي، وإما لا يكون. من هنا، بدأ التفاوض يفقد حرارته بين الطرفين اللذين كانا قد تبادلا التحفظات حول مجموعة تراكمات سياسية جرى التطرق الى جزء منها خلال الجلسات.
باسيل: تحالف شامل أو افتراق
تبدأ الرواية العونية من «الكيمياء» التي جمعت بين باسيل وقيادة القومي «الثائرة والمنتفضة»، على خلفية خصومته الشخصية والسياسية الشديدة مع القيادة السابقة التي يمثلها حردان. خلال الاجتماعات، كانت للتيار ثلاث ملاحظات على التعاطي القومي معه:
1- مقاربة الحزب القومي للمقعد الكاثوليكي في بعلبك الهرمل. فقد رأى القوميون أنه «أُخِذ» من دربهم وأنه كان يفترض بباسيل عوضاً عن المطالبة به المناكفة على المقعد الأرثوذكسي الذي يترشح حردان عليه في حاصبيا ــــ مرجعيون. فيما كان الرأي العوني أن مشكلة القومي ليست معه بل مع حزب الله، وأن النقاش في الموضوع شابته «عدائية» غير مفهومة.
2- شنّ الحزب القومي حملة ضد باسيل والتيار من منطلق ترشيحه فايز كرم في زغرتا، وسط إصرار باسيل على إمساكه وحده بقرار تسمية المرشحين بما تقتضي الحسابات السياسية والانتخابية، رافضاً ابتزازه. فكما للقاعدة القومية تحفظاتها، هناك مآخذ مماثلة للقاعدة العونية، والدخول في هذه «السراديب» لن يؤدي إلا الى توتير الأجواء والدفع باتجاه الافتراق والخصومة.
3- في الدوائر الثلاث التي يتمثل فيها الحزب القومي ترشيحاً، فاوض التيار على التحالف وقبل به رغم تعريضه مرشحيه للخطر. ففي عكار ،مثلاً، وجود مرشح للقومي على لائحة التيار يهدد نيابة المرشح العوني أسعد درغام لأن عبود يملك حظوظاً وإمكانات تفوق حظوظ درغام، وعليه يكون التيار هو من يؤمن الحاصل لعبود لا العكس. وتجربة القومي عام 2018 تؤكد عدم قدرته على إنجاح مرشحه بنفسه، بينما ترتفع حظوظه وفق هذا التحالف. وفي الكورة، يضمن التحالف بين الطرفين الحاصل الثاني في دائرة الشمال الثانية، وإذا ما عمل القومي بجدية هناك يمكنه إيصال مرشحه وليد العازار الى البرلمان لا المرشح العوني جورج عطا الله. أما عدم التحالف معاً، فيعني تجيير فرصة الربح الى مرشح حردان سليم سعادة. وفي المتن الشمالي، لفت باسيل، خلال الاجتماعات، إلى أن حظوظ القومي على لائحة التيار، وتحديدا للفوز بالمقعد الماروني، موجودة وتتطلب جهداً من القومي لمساعدته، أما انضمامه إلى لائحة المر ــــ الطاشناق فيعني فوز المر أولاً إذا تأمن الحاصل، وآغوب بقرادونيان ثانياً إذا فازت بحاصلين، فيما يستحيل أن تؤمن حاصلاً ثالثاً لإنجاح خليل، وهو ما تؤكده كل الدراسات والإحصاءات. رغم ذلك، تقول مصادر التيار: أبلغ القومي باسيل أنه قطع وعداً لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود بمساندة حفيده ميشال المر، وكان يؤجل البحث بالموضوع في كل مرة معللاً الأمر بحاجته للعودة الى القيادة قبل أن يعلن المر لائحته وضمنها مرشح القومي. ومشكلة التيار هنا أن القومي التزم في النهاية مع الياس المر الذي رشح ابنه من العمارة، وليس مع لحود أو الطاشناق، وأن القومي أعطى أولوية للمبدأ على التفاصيل، فاقتصر وعده بالتصويت لمرشحي التيار في الدوائر التي يملك فيها قواعد على الكلام من دون أن يترجم «بالورقة والقلم»، كالتفاهمات القائمة مع الحزب الديموقراطي والطاشناق، وجرى التطرق الى أرقام الناخبين والعمل على اللوائح، «وهذه مشكلة جدية في التواصل».

القومي: باسيل أحرجنا
في الميزان القومي، حلّت الإيجابية على الأجواء التشاورية منذ البداية. وقد تكوّن اقتناع لدى الطرفين بالحاجة الى التحالف. إلا أن المفارقة هي في عدم حسم باسيل لهذا التحالف خلال كل الاجتماعات التي عقدها الطرفان. ينسحب الأمر نفسه على عدم تأكيد رئيس التيار في أي مرة أن فايز كرم سيكون خارج المعادلة، بل ترك الموضوع للمناورة رغم الإحراج الذي يسببه ترشيح كرم للقوميين في كل لبنان. لكن وعلى قاعدة «أخرس يحكي لأطرش»، حاول باسيل إقناعهم بكرم. وتنفي المصادر شن القومي حملة، فـ«الحزب عرف بترشح كرم مع التيار، شأنه شأن الجميع من خلال مقابلة كرم. هذا الأمر أثار حفيظة قسم كبير من اللبنانيين ومن ضمنهم القوميون». في معرض آخر، «كان يفترض بالتيار أن يظهر حسن نياته تجاه القومي بدءاً من المقعد الكاثوليكي في بعلبك الهرمل الذي عادة ما يكون من حصتهم، وخصوصاً أن لباسيل أصواتاً أرثوذكسية في حاصبيا ــــ مرجعيون يمكن التعويل عليها لقلب المعادلة. لكنه ربط التحالف مع حزب الله في كسروان ــــ جبيل بحسم مقعد بعلبك ــــ الهرمل لمصلحته، ما حرم القوميين المقعد.
افتراق الحزبين في عكار والكورة والمتن سيجيّر الربح لحزب القوات

أما مشكلة المتن الشمالي فلها شقّان: الأول يتعلق بتراكم لدى القوميين من الأداء العوني في الانتخابات السابقة عندما «أسقط مرشح التيار الياس بوصعب، بالاتفاق وبإيعاز من حردان، مرشح القومي غسان الأشقر. لذلك ثمة رفض ضمني قومي لدى القاعدة للتحالف مع العونيين ليس بسبب خصومة، ولكن انطلاقاً من هذه الحادثة». يضاف إلى ذلك «عدم وضوح باسيل في مقاربته للائحة المتنية وإذا ما كان سيتبنى ترشيح سركيس سركيس أو لا، تماماً كما حصل في مسألة تبني فايز كرم. كل ما سمعه القوميون كان تأكيداً على خسارتهم في المتن من دون طرح استراتيجية سياسية لمحاولة منع هذه الخسارة وتأمين الربح معاً. في حين أن دخول لحود على الخط عزّز من حظوظ تحالفهم معه لا مع المر، إذ إن لحود «وقف الى جانب قيادة الروشة منذ سنة ونصف سنة. وسط ذلك كله، كان باسيل يضغط على القومي بعدم حسمه لمجرى تحالفاته ومرشحيه وخصوصاً في ما خصّ كرم، وبترك هامش من الفراغ في الاجتماعات، ما يبقي الطرفين في دائرة التأرجح.
اليوم، لا يزال هذا الفراغ طاغياً على مصير التحالف بين التيار والحزب القومي، رغم مصلحة الطرفين فيه. ولأن الجمود بات بحاجة إلى مخرج ما، بدأ حزب الله مسعاه لمعالجة الخلافات. فافتراق الحزبين في عكار والكورة والمتن سيجيّر الربح لحزب القوات من جهة، وستكون حظوظ بعض المرشحين معدومة، إضافةً الى ثقل الخسارة على الاثنين معاً.