بعد أشهر على انفجار مرفأ بيروت، في الرابع من آب 2020، أصدر الاتحاد الأوروبي، بالشراكة مع البنك الدولي والأمم المتحدة، إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار 3RF لتعافي لبنان الاقتصادي بعد الانفجار. لم يظهر إطار 3RF من فراغ، ولا من نتائج الانفجار، بل اعتمد بشكل أساسي على الخطط والمقترحات والقوانين التي رفعتها بعض منظمات المجتمع المدني وحلفاؤها البرلمانيون في ساحة النجمة لسنوات.تضع هذه الخطة لبنان تحت «إدارة الطوارئ» لتحالف دولي يضم ممثلين عن مؤسسات حكومات غربية ومنظمات غير حكومية، إلى جانب الحكومة اللبنانية، التي صُوّرت على أنها الطرف «الفاسد» الذي يحتاج إلى المساءلة، ويدرج «المجتمع المدني »و«القطاع الخاص» و«شركاء التنمية» على أنهم «شركاء متعاونون» في عملية الحكم وإعادة الإعمار في لبنان بعد الانفجار.
تفوّض الخطة تجمّع «كلنا إرادة»، بقيادة وإدارة مديري صناديق الاستثمار ومصرفيين في الخارج جرى إعدادهم للقيام بدور البديل في الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2022، و«جمعية الشفافية اللبنانية»، التي تعد جزءًا من منظمة «الشفافية الدولية» ذات الباع الطويل في خدمة واشنطن، كمشرفين على «عملية المساءلة» لمكافحة الفساد في لبنان في سياق جهود إعادة الإعمار والحوكمة. يعدّ إطار عمل 3RF وسيلة لإعادة هيكلة الإطار القانوني للاستفادة من طبقة سياسية جديدة، مدعومة برأس مال أجنبي، بعدما جفّت أموال البترودولار الخليجي التي صرفت على الطبقة السياسية القديمة التي قادها رفيق الحريري وأورثها لشركاء الطائف. وينشط ضمن الطبقة الجديدة حزب الكتائب، الذي أعيد تصويره على أنه مؤيد للمجتمع المدني ومناهض للحكومة اللبنانية، عبر خروجه من البرلمان اللبناني بعد انفجار مرفأ بيروت، إلى جانب «كلنا إرادة»، و«نحو الوطن». أبرز وجوه «كلنا إرادة» الإعلامي ألبير كوستانيان، وهو مستشار استراتيجي سابق مقيم بين بيروت وباريس، وعضو قديم في الكتائب، تولى إدارة القسم الانتخابي للحزب عام 2009، وترك الكتائب رسميًا عام 2017، وهو العام الذي انطلقت فيه منظمة «كلنا إرادة» ليصبح الرئيس التنفيذي لمجلسها الإداري. يرتكز إطار 3RF على أسلوب «الديكتاتورية النموذجية المستشرقة»، الذي يرى أن إساءة استخدام الأموال ليست سوى مسألة فساد ومشكلة الحكومة اللبنانية الحالية لا مشكلة الوكالات المالية الدولية المدعومة من رأس المال العالمي. وهو يؤكد على «الإصلاحات» والبناء على مطالب «المجتمع الدولي» التي كانت شرطاً للوصول إلى أموال مؤتمر «سيدر» وصندوق النقد الدولي. فيما لا تُطبق أيّ من «تدابير المساءلة» أو «مطالب الشفافية» على شركات القطاع الخاص الأجنبي أو المشاركين من المجتمع المدني المموّلين من الخارج.
شكّل انفجار المرفأ ذريعةً للموافقة السريعة على سياسات طرحتها منظّمات مجتمع مدني منذ سنوات


وبدلاً من تسمية إطار «التعافي وإعادة الإعمار» لبيروت بمصطلحات ذات توجّه وطني، ينصّ الإطار بوضوح على أنّ «إجراءات السياسة والإصلاحات الواردة في 3RF تتفرّع عن حزمة إصلاحات سيدر الأوسع، وتتماشى مع خريطة الطريق الفرنسية التي تعود إلى الثالث من أيلول 2020». ويوصي بتحويل «التمويل الأجنبي» الذي يأتي مصحوبًا بشرط الالتزام بأجندات الإصلاح المذكورة إلى أوراق مالية، «لاستعادة الثقة في النظام المالي». العملية تتضمّن عدداً من القوانين والإجراءات التي رفعها المجتمع المدني في لبنان قبل سنوات من الانفجار الذي شكّل ذريعة للموافقة السريعة على سياسات طرحتها بعض منظمات المجتمع المدني وصيغت قبل الانفجار بسنتين أو ثلاث.
وتشمل إجراءات «الشفافية» هذه قانون الوصول إلى المعلومات العائد لعام 2005، والذي طرحه النائب غسان مخيبر، وقانون المشتريات العامة الجديد المدعوم من البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، وقانون قطاع المرافئ، والقانون الرقم 462 لتنظيم قطاع الكهرباء. ويحظى قانون تنظيم قطاع الكهرباء الرقم 462 بزخم باعتباره «إصلاحًا حاسمًا»، وهو «ينصّ على وجوب أن تكون جميع أسهم الشركة المخصخصة اسميّة (بما في ذلك المساهمات العينية)، وإمكانية تعميمها على الفور وأن تكون مملوكة بالكامل من غير اللبنانيين»، ما يشير إلى أن أحكام هذا القانون، من دون تعديل، ستكون سارية على «كادر هيئة تنظيم الكهرباء وتضمن الشفافية في المشتريات العامة في قطاع الكهرباء». أكثر من مجرد «الإشراف» على عملية المساءلة، يجري إعداد إطار 3RF كمنافس للطبقة الحاكمة، عبر تقديم البديل «النظيف» والجديد للطبقة السياسية الحاكمة منذ الطائف، والتي غالبًا ما استفادت من مؤسسات الدولة اللبنانية. وبدلًا من ضخّ رأس المال في مؤسسات الدولة، فإنّ الأموال التي تجمع من خلال «الإصلاحات» المذكورة أعلاه ستقود مباشرة إلى تمويل النظام الجديد الذي يقوده المجتمع المدني.