منذ تأسيسه عام 1983، حرصت نخبة الإمبراطورية الأميركية في واشنطن، بجناحَيها الديموقراطي والجمهوري، على تطوير عمل «الصندوق الوطني للديموقراطية» (NED)، لخدمة أهداف التوسّع والتّطويع أو إسقاط الأنظمة المصنَّفة ضمن قائمة خصوم الإمبراطورية وأعدائها. وبما أنّ مؤسّسيه اختاروا له صفة «الصندوق»، كان لا بدّ من تخصيص مبالغ مالية سنوية تُضَخّ فيه، لتمويل البرامج المرسومة من كلا الحزبَين بشكل أساسي، عبر ذراعَيهما «المعهد الجمهوري الدولي» (IRI) و«المعهد الديموقراطي الوطني» (NDI). وعلى غرار كثير من مؤسسات تمويل برامج قلب الأنظمة والتّلاعب بثقافات الشعوب، يضخّ NED أمواله في 7 مناطق جغرافيّة حول العالم، وللبنان حصّته ضمن منطقة الشرق الأوسط.NED مؤسّسة أميركية تقدّم المِنَح، وتوزّع الأموال على المنظّمات غير الحكومية، تحت شعار «تعزيز الديموقراطية في الخارج» في حوالى 90 دولة حول العالم. يتمّ تخصيص نصف تمويله سنوياً لأربع منظمات أميركية رئيسيّة هي: «المركز الأميركي للتضامن العمالي الدولي» (ACILS)، و«مركز المشروعات الدولية الخاصة» (CIPE) التابعة لغرفة التجارة الأميركية، و«المعهد الديموقراطي الوطني للشؤون الدولية» (NDI) التابع للحزب الديموقراطي، و«المعهد الجمهوري الدولي» (IRI) التابع للحزب الجمهوري. ويُمنح النصف الآخر من التمويل الخاص بـNED سنوياً إلى مئات المنظّمات غير الحكومية في 7 مناطق هي: آسيا، أفريقيا، أميركا اللاتينية والكاريبي، الشرق الأوسط، أوروبا، أوراسيا، وعالمياً.

يتلقّى NED اعتماداً سنوياً من موازنة الحكومة الفيدرالية الأميركية، يتم تضمينه في فصل ميزانية وزارة الخارجية المخصَّصة لـ «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID)، ويخضع لرقابة الكونغرس كمنظّمة غير حكومية.
بين عامَي 1984 و1990، تلقّى الصندوق بين 15 و18 مليون دولار من تمويل الكونغرس سنوياً، وبين 25 و30 مليون دولار بين عامَي 1991 و1993. في السنة المالية المنتهية عام 2009، بلغت ميزانية NED حوالى 135 مليون دولار، جاء معظمها من وكالات الحكومة الأميركية. إضافةً إلى التمويل الحكومي، يتلقّى الصندوق تمويلاً من مؤسسات تمويل خاصة مثل «مؤسسة سميث ريتشاردسون» و«مؤسسة جون إم أولين» وغيرهما.
بشكلٍ عام، تميل الإدارات الديموقراطية عندما تحكم إلى رفع حجم التمويل السنوي للصندوق، وسارت أغلب الإدارات الجمهورية السابقة ضمن التوجّه نفسه وإن بمنسوبٍ أقل، لكنّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أقدم عام 2018 على خفض تمويل الصندوق، وطالب بشكلٍ علني بقطع روابطه بمعهدَي NDI وIRI.
بين عامَي 2017 و2020 صرف NED حوالى 103 ملايين دولار أميركي في منطقة الشرق الأوسط


بين عامَي 2017 و2020 صرف NED حوالى 103 ملايين دولار أميركي في منطقة الشرق الأوسط. حلّ العراق في المرتبة الأولى عربياً من حيث التمويل بين عامَي 2017 و2020 بحوالى 12.7 مليون دولار، ولبنان سادساً بحوالى 5.8 ملايين دولار بعد كلّ من المغرب والسودان ومصر وتونس. تجدر الإشارة إلى أنّ NED ومن يديره في واشنطن، يرون أنّ حالة الديموقراطية وحقوق الإنسان والحوكَمة الرشيدة في كلّ من كيان العدو الإسرائيلي والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر ممتازة، وبالتالي لا داعي لصرف سنتٍ واحد لدعم هذه البرامج المذكورة فيها أو للمعارضات الخليجيّة التي تتّخذ من المنافي منصّات لإيصال أصواتها الممنوعة في بلدانها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ موقع NED الإلكتروني يعرض بيانات التمويل فقط لمدة 5 سنوات، وبالتالي فإنّ الأرقام ليست متاحة قبل عام 2017 (إلّا في حال أرشفة محتويات الموقع في عام سابق)، وهو ما يتنافى مع أغلب الشعارات والمعايير التي تروّج لها البرامج المموَّلة من قبله. في لبنان سُجِّل بين عامَي 2016 و2020 تمويل NED منظّمات مجتمع مدني ومكتب IRI وNDI اللبنانيّين بقيمة 6.422.907 دولار. أقلّ بقليل من نصف هذا التمويل سُجّل عام 2020 وحده (حوالى 2.388.344 دولار)، ما يعكس اهتمام واشنطن ونُخبها بضرورة استثمار ظروف ما بعد 17 تشرين الأول 2019 وتزايد حدّة الأزمة المعيشيّة في لبنان (مجموع التمويل السنوي لـNED في لبنان بين 2016 و2020 موجود في الموقع). أكثر القضايا التي موّلها NED في لبنان تمثّلت بـ «دعم المجتمع المدني» و«المساءلة والحوكمة» (حوالى نصف التمويل). ومن الواضح بأنّ NED «ملتزم» بصرف مبالغ مقطوعة وثابتة سنوياً لجمعيات وكيانات محدّدة، مثل «نحن» و«نقطة فاصلة» و«جنوبية» التي أسّسها جنوبيّون وأغلب برامجهم تنَفَّذ في الجنوب. وتظهِر بيانات التمويل والبرامج المموَّلة أنّ المعهد الوطني الديموقراطي (NDI) عادة ما يكون أكثر نشاطاً من نظيره الجمهوري في مواسم الانتخابات اللبنانية، إذ تُظهِر بيانات عام 2018 أنّ NDI طلب من مركز إحصاء لبناني إجراء استطلاع رأي قبل الانتخابات وبعدها وأرسل فريقاً لمراقبة سير العملية الانتخابية في دورة 2018.



باتريسيا كرم .. الملكيّة أكثر من المَلِك
منذ شباط 2018، تشغل اللبنانية باتريسيا كرم منصب مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الجمهوري الدولي (IRI). بحسب الموقع الإلكتروني للمعهد، فإنّ كرم «مسؤولة عن الإشراف الإستراتيجي والقيادة لمجموعة من البرامج التي تقدَّر بالملايين، التي تركّز على الحوكمة المستجيبة للمواطنين، وتطوير الأحزاب السياسية، وتعزيز التشريعات، وبناء قدرات المجتمع المدني». متوسط الراتب السنوي لمديري المناطق الجغرافية في المعهد يتراوح بين 150 و200 ألف دولار. عملت كرم لسنوات في «معهد حوكمة الموارد الطبيعية» (NRGI) كمديرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (تلتها في المنصب لوري هايتيان). تنقّلت سابقاً بين عدد من المؤسسات والمنظّمات غير الحكومية الأميركية خصوصاً في العراق. منذ 17 تشرين الأول 2019 تنشط في كتابة مقالات عن الوضع في لبنان، تركّز فيها على ضخّ السرديات التي يتداولها الإعلام المعادي للمقاومة، من قبيل «هيمنة حزب الله على الدولة»، وتطرح أفكاراً ونصائح للدول الغربية بأنّه لا ينبغي حلّ مشكلة الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان دون «حلّ مشكلة» حزب الله أولاً. في تشرين الثاني عام 2019 بثّ حساب IRI في موقع تويتر فيديو لباتريسيا كرم شرحت فيه للجمهور الغربي طبيعة التظاهرات في لبنان، وفسّرت فيه شعار «كلّن يعني كلّن» على أنّه «دعوة للتحرّر من النفوذ الخارجي».