أصدر معهد أبحاث الأمن القومي، في تل أبيب، التقدير الاستراتيجي السنوي بعنوان «التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2022: زمن الحسم». كالعادة، عرض التقدير توصيفات ومحدّدات ومكامن التحديات الأمنية التي تواجه الدولة العبرية للعام الجاري، والفرص والمحفّزات التي تتوافق مع المصالح الإسرائيلية، مع محاولة لتحديد الخيارات المتاحة لدى تل أبيب لمواجهة التهديدات أو لتعزيز الفرص. علماً أن النتائج التي خلُص إليها التقدير السنوي هي خلاصة تفكير واستشراف حلول وخيارات أعدّها كتّاب المركز ونخبته لـ«مساعدة صناع القرار (في تل أبيب) على التعامل مع التحديات ومواجهتها».ويعدّ التقدير واحداً من أهم الإصدارات البحثية الأمنية في كيان العدو، وهو يعبّر عن رؤى وتطلعات باحثين من ذوي الخبرة الطويلة في مجال الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد وعلم الاجتماع، ممن كانوا حتى وقت قريب على طاولة التخطيط والقرار في تل أبيب. وعلى ذلك، يعدّ ما يرد في التقدير من توصيفات، بمجمل بنوده، رؤية بحثية لواقع حال إسرائيل في ما يتعلق بالمخاطر والفرص على أكثر من مستوى واتجاه، وهي الرؤية التي تقرب إلى حد بعيد من رؤية طاولة القرار الإسرائيلي الرسمي نفسه. علماً أن سيناريوهات المواجهة وفقاً لرأي النخبة، كما يرد في التقدير، قريبة جداً من تقديرات سائدة لدى مستويات القرار، سواء كانت في مرحلة البلورة، أو تلك المتصلة بالتنفيذ الفعلي.
تضمن التقدير عرضاً للتحديات والتهديدات الأمنية من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، كما من اليمن وامتداداته التهديدية الأخيرة، وصولاً إلى العلاقات الدولية للدولة العبرية في ظل متغيرات لم يعد بالإمكان حصرها. كما تضمّن توصيفاً لتحديات وتهديدات داخلية مصدرها «المجتمع الإسرائيلي» نفسه وفقاً للتشرذم الذي يعاني منه على أكثر من صعيد واتجاه بين «قبيلة وأخرى»، كما يرد في الأدبيات الإسرائيلية، مع استشراف خيارات حل.
واللافت في التقدير هو حال اللايقين إزاء التهديدات ومكامنها، من دون إمكان الاقتصار على سيناريوهات محددة تتعلق بكل واحد من التهديدات المشخّصة. وإذا كان التهديد الإيراني، النووي وغير النووي، في مرحلة ما بعد الاتفاق الجديد الذي باتت التقديرات تجمع على أنه وشيك جداً، يأتي في المرتبة الأولى، إلا أن التهديد الأكثر إلحاحاً وقرباً من تل أبيب، يتركز في مواجهة حزب الله، إضافة إلى تهديدات بمستوى مغاير، في دائرة التهديد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك في أراضي عام 1948، ناهيك عن الساحة السورية التي باتت أكثر اتصالاً بمجمل التهديدات على اختلافها.

«الساحة الشمالية»
أفرد التقدير فصلاً كاملاً للساحة اللبنانية، وتحديداً لحزب الله وقدراته المتنامية، تحت عنوان «الساحة الشمالية»، مع ربطه بالساحة السورية. تنامي قدرات الحزب إلى الحد الذي يدفع إسرائيل إلى مواجهته أكثر، ويدفعها في الوقت نفسه إلى فرملة هذه الاندفاعة، مفارقة تصعّب على صانع القرار في تل أبيب إيجاد خيارات ناجعة لمواجهة هذا النوع من التهديدات.
وورد في التقدير: «واصل لبنان عام 2021 انهياره الداخلي بشكل سريع، وهو انهيار يتعلق بالمؤسسة الاقتصادية المالية تحديداً، وكذلك البنية التحتية للدولة. ويحتفظ حزب الله بموقع مركز ومؤثر في لبنان، بل يطلق البعض على حكومته الحالية التي تشكلت في أيلول الماضي حكومة حزب الله. الواضح أن الضغوط على حزب الله في الساحة الدولية، وكذلك تزايد الانتقادات الموجهة له في لبنان، تؤثر سلباً في نشاطه في مواجهة إسرائيل، علماً أن كل ذلك يأتي في موازاة تكثيف جهوده بمساعدة إيران للاستمرار في مشروع دقة الصواريخ، مع التزود بأنظمة دفاع جوي، وكذلك الحفاظ على معادلة الردع مقابل الجيش الإسرائيلي.
من ناحية إسرائيل، الواقع في لبنان يثير معضلات وأسئلة:
هل يجب، وكيف يمكن، المساهمة في تحسين أوضاع السكان في لبنان من دون أن يؤدي ذلك إلى تعزيز حزب الله؟ كيف يمكن منع سيطرة حزب الله وإيران بشكل كامل على لبنان؟ وعلى الصعيد العسكري، هل يجب على إسرائيل أن تغيّر طريقة مواجهتها لحزب الله، وهل يتطلب التحدي اللبناني منها أن تهاجم حزب الله وتحديداً مشروع دقة الصواريخ؟».
إسرائيل، وحدها، غير قادرة على مواجهة التهديدات من دون مؤازرة الجانب الأميركي ومساعدته


والواضح أن إسرائيل، كما يرد في التقدير، تراهن على الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، كي تضغط على حزب الله وبيئته على عتبة الاستحقاق الانتخابي، وهو من أهم الرهانات لدى إسرائيل والولايات المتحدة، بوصفه خياراً بديلاً ضد حزب الله في ظل تعذر تفعيل الخيارات الأخرى في مواجهته.
واللافت في التقدير تشديده على أن إسرائيل، وحدها، غير قادرة على مواجهة هذا النوع من التهديدات، إلا بمؤازرة ومساعدة من الجانب الأميركي، «إذ في الخلفية صعوبة إسرائيلية بنيوية في التعامل وحدها مع مجمل التحديات، وهي تحتاج بشكل متزايد لتعميق التنسيق الخاص مع الولايات المتحدة».
ويبرز تحديداً تهديد ما تسميه إسرائيل بـ«مشروع الدقة»، وهو تطوير وصناعة صواريخ ذات دقة متناهية كما يرد في التعبيرات العبرية، من شأنها «وهي كذلك»، تغيير ميزان القدرة بين الجانبين، وتفرض ردعاً أكبر على الجانب الإسرائيلي، في ميزان الردع المتبادل بينهما، ما يحد من قدرته على المناورة تجاه الساحة اللبنانية.
ويخلص التقدير الاستراتيجي للمركز إلى «تقدير مآل» في الساحة اللبنانية للعام الجاري، مع توصيات: «سيحافظ حزب الله على نفوذه المتزايد في لبنان سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، رغم الضغط عليه من الداخل والخارج، مع فرصة ضئيلة جداً للتغيير في النظام السياسي بعد الانتخابات البرلمانية المخطط لها للعام 2022. الردّ يكون عبر سياسة مكرّرة، تركز على الإجراءات المستقلة لإسرائيل نفسها في مواجهة حزب الله، إضافة إلى التعاون مع الحلفاء الإقليميين، والأخذ بالعوامل المحلية الإيجابية».



الأخطار التي في داخلنا
في ما يتعلق بوضع «المجتمع الإسرائيلي»، يشير التقدير الاستراتيجي السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي إلى أن «تعاظم الانقسامات والتوترات في المجتمع الإسرائيلي يقوّض التضامن الاجتماعي ويلحق ضرراً بمناعة الدولة، ويؤدي إلى تآكل عميق لدى الجمهور ولدى مؤسسات الدولة. وقد أظهرت عملية «حارس الأسوار» أن إسرائيل غير جاهزة بكل ما يتعلق بالعنف بين اليهود والعرب داخل الدولة. وتكشف أيضاً الضعف بشكل بارز لدى الشرطة الإسرائيلية، إلى جانب ظهور وتكشف «الحكم الذاتي» في مناطق معينة في جميع أنحاء إسرائيل، ما يشكل تهديداً كبيراً وشاملاً لإمكان متابعة ومواجهة تحديات الأمن القومي كما هي عليه في هذه المرحلة». لذلك، «على إسرائيل التعامل بشكل ناجع مع هذا التحديات الداخلية، وتحديداً ما يتعلق بارتفاع الجرائم لدى المجتمع العربي داخل الدولة (فلسطينيو 48)، وكذلك العمل على فرض النظام والحكم، إلى جانب تخفيف التوتر والتناحر الاجتماعي والسياسي، وهي مسائل يجب أن تكون على رأس سلم أولويات صناع القرار في إسرائيل».


الإصرار الإيراني يرتقي درجة
يرد في التقدير الاستراتيجي السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي أن إيران «تشكل التهديد الأكبر لإسرائيل (الأمر الذي يتعزز) على خلفية المواجهة مع الصين وتراجع الاهتمام بالشرق الأوسط، ما يؤدي إلى تراجع في الأولوية المعطاة للمصالح الإسرائيلية بناء على مخاوفها من إيران».
وتهديد إيران «يتعلق بقدراتها النووية العسكرية، وكذلك بأتباعها الإقليميين، إذ تعمل إيران على إنشاء تهديد إقليمي محيط بإسرائيل، وتحديداً ما يتعلق بإنتاج صواريخ دقيقة لدى حزب الله في لبنان، وكذلك تزويد جماعتها في سوريا بآلاف الطائرات المسيّرة الهجومية، وهي أكثر من أي وقت مضى مستعدة وجاهزة لمواجهة أعدائها. يشكل كل ذلك تهديداً مدمجاً يصعب على إسرائيل وحدها مواجهته، ما يعني ضرورة زيادة التنسيق مع الولايات المتحدة، سواء مع اتفاق نووي جديد أو من دون اتفاق. علماً أن المفاوضات النووية في فيينا تصعّب استراتيجية إسرائيل في المواجهة. ورغم كل السيناريوهات المرتبطة بالاتفاق من عدمه، فإن المعارضة الإسرائيلية تبقي إسرائيل معزولة. فحتى الولايات المتحدة تضع أمام إسرائيل صعوبات، إذ إن الشرق الأوسط في العام 2022 في أسفل سلم أولوياتها، مع التناحر الاجتماعي الداخلي لديها، والمواجهة المستمرة مع الصين، وتراجع الاستعداد الأميركي لتعميق «الاتفاقيات الإبراهيمية» بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة».


السلطة الفلسطينية تفقد السيطرة
في ما يتعلق بفلسطين، يلفت التقدير الاستراتيجي السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي إلى أنه «إذا كانت الساحة الفلسطينية ثانوية وهامشية في السنوات الأخيرة، إلا أنها تعود إلى الواجهة في العام 2022. خلال المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وحركة حماس (عملية حارس الأسوار)، اكتشفنا حجم الإحباط المتزايد لدى الفئة العمرية الفلسطينية الشابة. الوضع الأمني ​​في الضفة الغربية هش، وقد يشهد تصعيداً في أي لحظة بسبب الضعف الشديد للسلطة الفلسطينية. ويشكل الجمود في إيجاد حلول للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني تهديداً لهوية إسرائيل بوصفها دولة يهودية وديموقراطية».