في ما تضمّنه مرسوم فتح العقد الاستثنائي لمجلس النواب، الخميس المنصرم (6 كانون الثاني)، أكثر من إشارة إلى أن الاشتباك بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب لم ينته. سرعان ما أتى رد فعل الرئيس نبيه برّي البارحة في بيان مقتضب، يؤكد المؤكد.مع أن للرئيس ميشال عون صلاحية منصوصاً عليها في المادة 33 ـ خصوصاً عندما يصدر عنه فتح العقد الاستثنائي ـ تقول إنه يحدد موعدي افتتاحها واختتامها وبرنامجها، وهو ما فعله، بيد أن المرسوم تغاضى عن عبارة مألوفة وتقليدية، ترد دائماً في مراسيم مشابهة صادرة عن رئيس الدولة، تنص في فقرتها الأخيرة على إدراج اقتراحات القوانين ومشاريع القوانين التي «تقررها» هيئة مكتب مجلس النواب.
في المكالمة الهاتفية مع عون وميقاتي، لمّح برّي إلى أن أي خطوة إيجابية سيقابلها بخطوة مماثلة (هيثم الموسوي)

المقصود بالعبارة المألوفة والتقليدية هذه، وقد عرفتها عقود طويلة متتالية في الحياة البرلمانية اللبنانية، فتح نافذة لمجلس النواب كي يدرج هو الآخر بنوداً تكون قد قررتها هيئة مكتب المجلس من تلقائها بلا أي توجيه، من غير أن تتعارض مع البرنامج الذي أدرجه رئيس الجمهورية في المرسوم. كان ذلك في ما مضى جزءاً من علاقة التعاون بين رئيسي الجمهورية والبرلمان، تفادياً لحرمان السلطة الاشتراعية من حق الالتئام خارج العقود العادية المأذون لها بها.
الأمر الذي لم يظهر جلياً في مرسوم الخميس، أو في أحسن الأحوال بَانَ جزئياً مشروطاً. جعل النافذة، المفترض أنها مطلقة غير مشروطة، مقيّدة ببنود محددة مرتبطة بإصلاحات وخطط مالية أورد المرسوم بنودها.
لم يطل الوقت حتى ردّ برّي بعبارة مقابلة، هي أن مجلس النواب سيد نفسه، فيدرج ما تقرره هيئة مكتبه دونما أن تكون ملزمة قيوداً. قبل صدور المرسوم، كان الموقف المسموع من برّي، إصراره على عقد استثنائي أياً تكن طريقة إخراجه في المادة 33. قال أيضاً إن لا شروط مسبقة يفرضها العقد على المجلس: «ما إن يفتح، يصبح الأمر عندي أنا».
ذلك ما أعاد تأكيده في الغداة بإصدار بيانه المقتضب الذي يعني في ما يعنيه، أن لرئيس المجلس بصفته رئيس هيئة مكتب المجلس، أن يضيف ما يرتأي أن يضيفه من بنود، بل أيضاً أن لا يكون ملزماً البرنامج المنصوص عليه في مرسوم العقد الاستثنائي. أن يتجاهله ويهمله حتى.
في المكالمة الهاتفية بين عون وبرّي بواسطة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لمّح الثاني إلى أن أي خطوة إيجابية تأتيه، سيقابلها بخطوة إيجابية مماثلة. غير أنه لم يعِد ولم يؤكد عودة وزراء الثنائي الشيعي إلى مجلس الوزراء للفور، أو في القريب العاجل، كما لو أن ثمة مقايضة إحياء مجلس الوزراء في مقابل عدم إيصاد أبواب مجلس النواب، وهو على أبواب الأشهر الخمسة الأخيرة في ولايته الحالية. لذا أتى مرسوم العقد الاستثنائي منفصلاً عن مصير جلسات مجلس الوزراء. لم تتطرق المكالمة سوى إلى فتح مرسوم العقد، دونما الخوض في موعد افتتاحه واختتامه وبرنامجه، وتالياً وصله بالعقد العادي الأول للمجلس في 22 آذار المقبل، غداة يوم إقفال العقد الاستثنائي.
رد برّي على مرسوم العقد الاستثنائي: ما إن يفتح يصبح الأمر عندي أنا


قيل الكثير في دوافع قبول عون، بعد امتناع، بفتح عقد استثنائي. فُسِّر الامتناع ـ أو عدم الإصدار على الأقل حتى مطلع السنة الجديدة ـ على أنه رد على تعطيل السلطة الإجرائية بتعطيل السلطة الاشتراعية. قيل أيضاً في الساعات المنصرمة حتى صدور المرسوم، إن التهويل بعريضة يوقعها أكثر من 65 نائباً لفرض فتح العقد الاستثنائي، حمل رئيس الجمهورية على قراره الأخير خشية أن تُعدّ العريضة هذه نكسة دستورية ثانية لصلاحياته بعد التصويت الثاني على قانون الانتخاب المعاد في تشرين الثاني المنصرم، وتعطيل لجوئه إلى المادة 57 من الدستور، ثم محاولة فرض نصاب الأكثرية المطلقة عليه (59 نائباً) في الجلسة تلك، ما لا يُفترض أن تتلقاه رئاسة الجمهورية مجدداً بنكسة العريضة الملزمة والمقيِّدة. قيل أكثر من ذلك، إن موقعي العريضة بلغ عددهم 70 نائباً، فأرغموا الرئيس على إصدار المرسوم. وهو معطى لم يكن دقيقاً ولا صحيحاً.
حتى انتهاء دوام العمل في البرلمان الأربعاء المنصرم (5 كانون الثاني)، وصل عدد موقعي العريضة إلى 51 نائباً، ما كان ينقصهم 14 نائباً للوصول إلى الأكثرية المطلقة المحددة بـ65 صوتاً. اليوم التالي، الخميس، كان عطلة رسمية. بذلك لم يصل الرقم في أي من الأوقات إلى أكثر من الرقم الأخير. لم يكن وقّع عليها من كتلة حزب الله سوى ثلاثة نواب، وهي إشارة إلى أن الحزب لم يُلقِ حتى ذلك الوقت بثقله للمضي في العريضة. بدورها كتلة حزب القوات اللبنانية أبقت على رفض توقيعها ما لم يقترن فتح العقد الاستثنائي بضمانات عودة الوزراء الشيعة إلى مقاعد الحكومة. كلا الكتلتين المتنافرتين هاتين، الأولى بنوابها الـ13 والثانية بنوابها الـ15، كانتا كافيتين لرفع التواقيع إلى 70 نائباً.
أما الرابح الفعلي من صدور مرسوم العقد الاستثنائي، فهو لا ريب النواب الملاحقون المدعى عليهم من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار. استعادوا، بلا أي كلفة أو جهد وعناء ولا منّة حتى، منذ مساء الخميس حصانتهم النيابية المانعة لتوقيفهم واقتيادهم إلى التحقيق الذي يرفضون المثول أمامه. ليس ثمة واهمٌ أو عاقل يعتقد بأنهم كانوا سيوقفون ـ والمفترض أن يكون حدث منذ الساعة الصفر في الأول من كانون الثاني ـ سواء صدر مرسوم العقد الاستثنائي أو لم يصدر ما داموا في حمى المظلة السياسية.
بذلك يصحّ الظن بأن البرنامج الأساسي ـ إن لم يكن الوحيد ـ للعقد الاستثنائي الجديد هو الاختباء مجدداً وراء المادة 40 من الدستور. بيد أن المؤشر الدال في ذلك كله، أن الثنائي الشيعي لا يزال إلى الآن على الأقل غير مستعد، بإزاء استمرار تعطيل جلسات مجلس الوزراء، للتفكير في أي تنازل.