الأربعاء الماضي، أرسل الرئيس ميشال عون كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يتمنّى فيه تزويده «بمحاضر الاجتماعات مع وفد صندوق النقد الدولي، منذ تاريخ بدء المفاوضات وحتى الآن، الخطط أو الدراسات التي تُعرض، وتقرير حول مسار المفاوضات». كتاب عون استند إلى المادة 52 من الدستور، وتنصّ على أنّه: «يتولّى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تُصبح مُبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتُطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تُمكّنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلّق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يُمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب». بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أُحيل كتاب عون إلى نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس الوفد الحكومي المفاوض، سعادة الشامي، مُرفقاً بطلب تسليم رئيس الجمهورية المستندات التي يطلبها.
(هيثم الموسوي)

هذه الخطوة «التصعيدية» من عون أتت بعد محاولة الفريق الوزاري المفاوض عزله عن المفاوضات، ومنعه من الاطلاع على أرقام خسائر مصرف لبنان والمصارف التي ستُعتمد، وآلية معالجتها. بالإضافة إلى خرق الاتفاق ــــ غير الموقّع ــــ بين عون وميقاتي في أن يُشارك في اجتماعات الفريق اللبناني المفاوض مع صندوق النقد مستشارا الرئيس، شربل قرداحي ورفيق حدّاد. ولكن من أصل 17 اجتماعاً عُقدت مع «الصندوق»، لم يُدعَ حدّاد إلا مرة واحدة، في حين غُيّب قرداحي عن كلّ اللقاءات بحجّة عدم الرغبة في تسريب معلومات والإبقاء على الطابع السرّي للمداولات. كما أنّ الفريق المفاوض يعتبر أنّه غير مُلزم سوى بالقرار الوزاري الصادر بأن يتشكّل وفد التفاوض من الشامي ووزيرَي الاقتصاد أمين سلام والمالية يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مع دعوة الخبراء حين يكون هناك داعٍ لذلك. تحت هذا الستار، يتم التعاطي مع رئيس الجمهورية كما لو أنّه لا يحقّ له التدخّل في ما يجري. علماً بأنّها من الصلاحيات القليلة التي حفظها له اتفاق الطائف، في أن يتولّى هو المفاوضة، «بالاتفاق» مع رئيس الحكومة. توقيت خطوة الرئيس مرتبط أيضاً بالترويج لأخبار عن قرب الانتهاء من تعديل الأرقام وكتابة مسودة خطة التعافي الجديدة، كما لامتلاكه معطيات عن تواصل شبه يومي بين المصرف المركزي وصندوق النقد، في مسعى من سلامة ليُقدّم سرديته للأزمة ويُبعد عبء الخسائر عن القطاع المصرفي عبر تحميلها للدولة.
مصادر رئاسة الحكومة، من جهتها، قالت لـ«الأخبار» إنّ المادة 52 «لا تُلزم بإطلاع الرئيس يومياً على المشاورات، فحالياً لا يزال الحديث مع صندوق النقد في إطار تبادل الأوراق والمسودات، ولم ترتقِ الأمور إلى مستوى المفاوضات الجدّية. حين يتمّ التوصّل إلى اتفاق، يطّلع عليه رئيسا الجمهورية والحكومة». وتُضيف مصادر رئاسة الحكومة بأنّه «سَبق لسعادة الشامي أنّ زار قصر بعبدا وأطلع الرئيس عون على المعطيات، إضافة إلى أن حداد يشارك دائماً في اجتماعات السرايا، ما يعني عدم إخفاء أي شيء عن رئيس الجمهورية». كما يؤكّد ميقاتي لسائليه بأنّ علاقته بعون «ممتازة ويسودها الودّ، وحين تتقدّم المباحثات مع الصندوق سيتم إطلاع الرئيسين ومجلس الوزراء عليها».
ولكن بالنسبة إلى مصادر رئاسة الجمهورية، الرئيس هو «رأس الدولة، فهل يتم إبلاغه بالنتيجة بعد الانتهاء من كتابة المسودة وحصول الاتفاق، أم يجب أن يوضع في صورة ما يجري ليُقدّم ملاحظاته وتوجيهاته؟». لا تملك بعبدا أي معطيات حول «حجم الخسائر وكيفية معالجتها. الاتفاقية مع صندوق النقد تخصّ الشعب، ولها انعكاس على مستقبله، ومن حقّه الشفافية ومعرفة ما الذي يُخطّط له». وتُقارن مصادر بعبدا بين المفاوضات مع وفد صندوق النقد ومفاوضات ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، «لماذا الوفد المفاوض في الحالة الثانية كان يزور الرئيس قبل انعقاد الجلسة وبعدها، في حين لا يتم ذلك حالياً؟».