ما إن أُعلن ناضر كسبار نقيباً للمحامين، حتى انشغلت الأحزاب في الإعلان عن أنّ حصتها «محفوظة» من هذا الفوز. شخصية كسبار وعلاقاته السياسية المتشعّبة مع معظم الأحزاب والتيارات، استناداً إلى عمله النقابي على مدى سنوات، أشعر كل الأحزاب أنّ النقيب لها. في المقابل، تلقّت القوى المعارضة لأحزاب السلطة هزيمة مدوّية بعدما فشلت في تجيير أكثر من 800 صوت لصالح مرشحيها من أكثر من 4200 مقترعاً، بالتالي لم تتمكّن من إيصال أي مرشح إلى عضويّة مجلس النقابة، تماماً كما لم يفز أي مرشح شيعي، ممّا عزّز فرضية حصول عمليّة تشطيب منظّمة انطلاقاً من خطاب طائفي روّج له داخل النقابة
في المرحلة الثانية من انتخابات نقابة المحامين، أسقطت الأحزاب السياسيّة ورقة التين. من كان يدعم مرشحاً لمركز النقيب من تحت الطاولة، أعلن ذلك «على المكشوف»، وفي بيانات وُزّعت على الإعلام قبل ساعاتٍ قليلة من إعلان النتيجة. وفي الوقت نفسه أوحت الأحزاب نفسها بأنّها كانت تدعم النقيب الفائز منذ البداية!
هذا تحديداً ما حصل مع حزب الكتائب وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر وحركة أمل. الكتائب، مثلاً، كان له مرشح معلن هو ألكسندر نجّار سحبه في الساعات الأخيرة، ليعلن الحزب دعم ناضر كسبار الذي نال أصواتاً أعلى من نجّار في المرحلة الأولى. علماً أن نجّار نفسه كان يؤكّد أنّه مستقل مدعوم من الكتائب، ويريد خوض الانتخابات في مواجهة الأحزاب، قبل أن يرضخ لطلب النقيب الكتائبي السابق جورج جريج الذي قال صراحةً أمام زوّاره، الأحد، إن تجزئة الأصوات الكتائبية بين كسبار ونجّار سيكسب منها المرشح عبده لحود المدعوم من حزب القوات اللبنانية، وهذا ما أفضى إلى انسحاب نجّار قبيل بدء المرحلة الثانية.
وكما الكتائب، كذلك المستقبل وأمل اللذان أعلنا دعمهما لكسبار قبل بدء المرحلة الثانية، ثم لحق بهما العونيون الذين دعم بعضهم كسبار وتخلوا عن فادي بركات في المرحلة الأولى، علماً أنّ الأخير كان محسوباً عليهم سابقاً. في المقابل، يروي متابعون أن العونيين دعموا بركات في المر حلة الأولى قبل أن ينكفئوا عن معركة النقيب ويتراجعوا عن التغريدات التي نشرها بعض المحامين المحسوبين عليهم قبل يومٍ واحد من الاستحقاق، ليكون بإمكانهم إصدار بيانٍ يشيرون فيه إلى دعمهم لكسبار بعد فوزه! ويقول البعض إن أداء العونيين «أزعج» حزب الله الذي وصلته الرسالة، ومفادها: «لسنا معكم في كل الاستحقاقات»، وفق مقربين من الحزب، على عكس أداء تيار المستقبل الذي «حلب صافي» مع حركة أمل والكتائب في دعمه للمرشحين لعضوية مجلس النقابة.
كلّ ذلك يعزّز النظرية التي يروّج لها الخاسرون بأنّ كل الأحزاب، باستثناء حزب الله والقوات، تحالفت مع بعضها البعض لدعم كسبار الذي نال أكثرية الأصوات (1888) في المرحلة الأولى، في مقابل 1539 صوتاً للحود الذي فاز بعضوية مجلس النقابة و1231 صوتاً لوجيه مسعد. وبالانتقال إلى المرحلة الثانية، أبقت الأحزاب على دعمها لكسبار الذي نال 1530 صوتاً.
أحزاب خاضت الانتخابات بشعار «النقابة لنا» فصار التصويت طائفياً وأطاح المرشح الشيعي


أما المفارقة، فكانت في النتيجة التي حصل عليها المرشح لعضوية مجلس النقابة عماد مارتينوس. إذ نال 1891 صوتاً، أي أعلى من كسبار نفسه. ويلفت متابعون إلى أنّ اتفاق معظم الأحزاب على مارتينوس كان رسالةً تحضيريّة له كونه مرشحاً لانتخابات النقيب المقبلة.
في المقابل، يعتبر محامون متابعون للاستحقاق أن حزب الكتلة الوطنية كان «الرجل الخفي» في انتخابات النقابة. ويؤكّد هؤلاء أنه «مهما خفت صوت الكتلة في الحياة السياسية، تبقى لها اليد الطولى في إيصال الأقرب إليها إلى مركز النقيب بسبب قوة مكاتب المحاماة الكبرى المحسوبة عليها ومجموعة الوكالات الحصريّة المعطاة لهم». ولذلك، كان خيار الكتلة دعم كسبار الذي «يشبهها» باعتباره غير محسوب على أي حزب سياسي، والتراجع عن دعم رمزي هيكل.
في المحصلة، يؤكد محامون حزبيون أنّ نتيجة الانتخابات كانت في حسابات أحزاب السلطة ربحاً صافياً، إذ إنّها استطاعت الحفاظ على ماء وجهها قبيل موعد الانتخابات النيابية، وهزمت القوى المعارضة التي انقسمت على نفسها، خصوصاً أنّ بعض المحسوبين عليها صوّتوا لكسبار في المرحلتين الأولى والثانية. ولأنّ للنقيب الفائز علاقات متشعبة بمعظم الأحزاب والتيارات السياسيّة، شعر الجميع أنه انتصر في معركة النقابة، وكأنّ كسبار من حصة الجميع!

هزيمة المعارضة
ومهما يكن من أمر، فإنّ الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات كانت القوى المعارضة لأحزاب السلطة، إذ لم تتمكّن من تجيير أكثر من 800 صوت للائحة «نقابتنا» التي تبنّت فيها عضوين مرشحين لمركز النقيب هما رمزي هيكل وموسى خوري، خسرا معركة عضوية مجلس النقابة. علماً أنّ كل المرشحين على اللائحة نالوا نتيجة متقاربة جداً في حجم الأصوات، مما يؤكّد حفاظ كتلة المعارضة على حجمها وعدم حصول عمليات تشطيب في المرحلة الأولى.
البعض يعزو الخسارة إلى «مثالية القوى المعارضة في رفضها التحالف مع الكتائب»، فيما البعض الآخر يشدّد على أنّ تجربة النقيب السابق ملحم خلف كانت سيئة ممّا أدى إلى تغيّر المزاج العام داخل النقابة ورفض الهيئة الناخبة تأييد خيار الحراك.
المحامي مازن حطيط اعتبر أن «نشوة المعارضين منذ 17 تشرين أفقدتهم واقعيتهم في التعامل مع خصومهم، إضافة إلى أننا كنا نُحاسب على ولاية النقيب السابق ملحم خلف باعتباره أتى من رحم الانتفاضة. وهو ارتكب بعض الأخطاء في أدائه، لكنه لم يكن فاسداً كما بقية ممثلي أحزاب السلطة». وأكد ما يتردد في كواليس النقابة بأنّ بعض الأحزاب خاضت الانتخابات مستندةً إلى خطاب طائفي عنوانه «النقابة لنا»، بدليل حصول المرشح الشيعي على اللائحة المدعومة من الكتائب أسعد عطايا على 94 صوتاً مقابل أكثر من 750 صوتاً حصل عليها المرشحون الآخرون، ما يشير إلى عملية تشطيب منظمة. وهذا أيضاً ما حصل مع المرشح للعضوية المدعوم من قبل حزب الله فاروق حمود الذي جيّر أكثر من 350 صوتاً للمرشّح العوني فادي بركات، فيما لم يحصل على أكثر من 347 صوتاً مقابل 1010 أصوات لبركات. وعليه، لم يصل أي مرشح شيعي إلى عضوية مجلس النقابة، فيما بقي المرشح السني في المجلس لعدم انتهاء ولايته بعد.