منذ الإثنين الماضي، تلقّت بكركي اتصالات من مسؤولين في القوات اللبنانية ومن عائلات عناصر قواتيين أوقفتهم مديرية المخابرات في الجيش على خلفية مجزرة الطيونة. وطلب هؤلاء من البطريرك الماروني بشارة الراعي التدخّل لدى القضاء العسكري وقيادة الجيش بحجة أن التوقيفات «تتم من طرف واحد».
(مروان بوحيدر)

ويؤكد ضباط كبار في الجيش أن قائد الجيش العماد جوزيف عون ليس في وارد التجاوب مع الضغوط، كون مديرية المخابرات تعمل تحت وطأة هول الجريمة من جهة، ولأن التحقيقات تشير إلى تورط عسكريين في إطلاق نار أدى إلى استشهاد مدنيين من المتظاهرين والمارّة والمقيمين.
ومع أن اتصال أحد مساعدي البطريرك بقيادة الجيش لم يؤدّ إلى تغيير في قرار التوقيفات التي توسّعت لتشمل عناصر من القوات كانوا موجودين في مكان بعيد عن ساحة المواجهة، إلا أن قيادة الجيش أكّدت لبكركي وقيادة القوات بأن بين الموقوفين مؤيدين لحركة أمل وحزب الله وعسكريين، وأن لا تمييز بين من تشير التحقيقات إلى تورطهم في الأحداث. وكان لافتاً امس موقف البطريركية على حسابها على موقع «تويتر»، حيث عبّرت عن «رفض أن نعودَ إلى الاتّهاماتِ الاعتباطيّة، والتجييشِ الطائفيّ، والإعلامِ الفتنويِّ. نرفض أن نعودَ إلى الشعاراتِ الجاهزة، ومحاولاتِ العزل، وتسوياتِ الترضية. نرفض أن نعودَ إلى اختلاقِ الملفّات ضِدَّ هذا الفريق أو ذاك، واختيارِ أناسٍ أكباشَ محرَقة، وإحلالِ الانتقامِ مكانَ العدالة». تغريدة بكركي لا تعدو كونها غطاء لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي عبّر عن رفضه تنفيذ قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي استدعاءه إلى التحقيق في مجزرة الطيونة. فالتحقيقات التي تجريها مديرية مخابرات الجيش تشير إلى أن مجموعات مسلحة من القوات اللبنانية انتشرت في عين الرمانة والأشرفية، في الليلة السابقة لمجزرة الطيونة، ما دفعها إلى الاشتباه بوجود نية مبيتة لافتعال إشكالات مسلحة. وفي المعلومات المتوفرة لدى مختلف الأجهزة الأمنية أن مجموعات مسلحة نُقِلت في الليلة السابقة للمجزرة إلى بيروت وعين الرمانة من معراب، ما يعني أن هذه المجموعات تحرّكت بأمر مباشر من جعجع. وبناءً على هذه المعطيات، كما على إفادات موقوفين، أشار القاضي عقيقي بوجوب الاستماع لإفادة جعجع من اجل حسم هذه المعطيات سلباً أو إيجاباً.
ويوم امس، جرى تسريب خبرية مختلقة تفيد بأن النيابة العامة التمييزية قررت تجميد قرار القاضي عقيقي استدعاء جعجع إلى التحقيق لمدة 3 أيام، قبل ان يصدر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بياناً ينفي فيه صحة ما سُرِّب. وأكّد عويدات أن مسألة الجهة التي ستستمع إلى إفادة جعجع، سواء مديرية المخابرات او القاضي المشرف على التحقيق، تحددها «السلطات المعنية»، في إشارة إلى القاضي عقيقي نفسه. وقالت مصادر مطّلعة إن تسريب «الخبر الكاذب» أتى في سياق الوساطة التي تقودها بكركي من أجل التراجع عن استدعاء جعجع، والرغبة بتجنيب الجيش تجرّع هذه الكأس!
تسريب خبر كاذب عن تجميد قرار استدعاء جعجع إلى التحقيق في مجزرة الطيونة


وفي هذا السياق، استقبل الراعي أمس قائد الجيش وضباطاً معنيين بالتحقيقات. إلا أن مصادر عسكرية أكّدت أن الزيارة كانت مقرّرة سابقاً، ولا علاقة لها بالتطورات الأخيرة. كذلك أكّدت مصادر بكركي أن الزيارة «كان متفقاً عليها في وقت سابق، لكنها أرجئت أكثر من مرة بسبب التطورات المتلاحقة». وأضافت أن البطريرك وقائد الجيش أجريا «جولة أفق عامة، ومن الطبيعي أن تتناول ما حصل أخيراً من أحداث أمنية، ولكن ليس من زاوية محدّدة». وعما إذا كانت بكركي تواصلت مع الجيش مسبقاً في شأن الموقوفين، قالت المصادر إن الراعي «سأل قائد الجيش في صورة عامة عما حصل ولكن ليس لأي غاية معينة. فغبطته مع العدالة وأن تكون فوق الجميع، وليحاسب كل من أخطأ، ولا شمسية فوق رأس أحد. والبطريرك لم يضع خطوطاً حمراً فوق أي طرف أو شخص، وهو لا يتدخّل في عمل الأجهزة الأمنية أو القضائية».
مصادر القوات اللبنانية، من جهتها، قالت إن «التواصل مع بكركي مستمر منذ الحادثة، وبكركي معنية بما جرى حينها في عين الرمانة وما حصل بعد ذلك، لكنّ القوات لم تطلب أي تدخل من بكركي مع الجيش لأنها على تواصل دائم معه. لكن من الطبيعي أن تكون بكركي على اطّلاع ومتابعة لما جرى».