خلال التطرق إلى موضوع المصارف، الذي سبق أن أخذ حيّزاً واسعاً من نقاشات اللجنة المكلفة صياغة البيان الوزاري، حصل تبادل للرؤى حول مصطلح «تصحيح» القطاع المصرفي الوارد في المسودة النهائية للبيان بعدما جرى تعديل المصطلح المعتمد في الصيغة الأولى أي “إصلاح» القطاع المصرفي. وتركز النقاش بين الوزراء في القصر الجمهوري حول خطأ اعتماد «تصحيح»، فيما المعنى الأدقّ هو إعادة إصلاح كترجمة لكلمة «reform»، وأنه لا يمكن اعتماد إعادة الهيكلة لأنه «ومن ضمن الإصلاحات التي ستُجرى، قد تكون إعادة الهيكلة غير ضرورية لجميع المصارف».ما سبق يقود الى خلاصتين: الأولى أن بعض الوزراء ممن يناقشون في هذه المسألة لا يفقهون شيئاً عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي وما يفترض أن يتم إنجازه حتى لا تستمر المصارف بالعمل كمصارف «زومبي» كما هي الحال عليه اليوم، بمعنى عجزها عن قيامها بالأنشطة المصرفية المعتادة وزيادة رساميلها، وحتى يتم الاتفاق على خطة توزيع عادلة للخسائر وضمان حقوق المودعين كاملة من دون اقتطاع سوى من أصحاب الثروات. والثانية، أن الدوران حول إعادة الهيكلة من دون تسميتها بالاسم، لا يُبشّر سوى بأن حكومة نجيب ميقاتي وضعت نفسها في الدرجة الأولى بخدمة المصارف، أو بالأحرى هي حكومة حزب المصرف. لذلك بعد أخذ وردّ في هذا الموضوع، تم التوصل الى تسوية بين ما يريده معظم الوزراء ورئيس الحكومة بذكر إعادة الإصلاح وبين ما طلبه الرئيس عون بضرورة ذكر إعادة الهيكلة، الى دمج المصطلحين معاً للخروج بعبارة هي: «وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم». على أن النقطة الأهمّ في اجتماع مجلس الوزراء، أمس، الذي شهد إقرار البيان الوزاري، كانت باتخاذ قرار وضع مصير المصارف بيد مصرف لبنان على اعتباره السلطة الناظمة للقطاع المصرفي، وذلك عبر إضافة عبارة «تكليف مصرف لبنان بوضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم».
رئيس جمعية المصارف يطالب بـ«إعادة هيكلة القطاع العام»!

لكن أزيلت لاحقاً حتى «لا تُحدث بلبلة في البلد»، علماً بأن ثمة تجربة قريبة لمصرف لبنان في هذا السياق، من خلال مذكّرة أصدرها في تموز من العام الماضي وأعلن فيها عن تشكيل لجنة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتضمّ ممثلين عن الحكومة ومصرف لبنان ولجنة الرقابة وجمعية المصارف، إلا أن أي اجتماع لم يحصل، فيما اعتذرت لجنة الرقابة عن عدم المشاركة منعاً للتضارب بين دورها القانوني ودورها المحدد في لجنة إعادة الهيكلة. ومُجرّد تعمّد فصل هذا البند في البيان الوزاري عن خطة التعافي المالي التي أقرّتها حكومة حسان دياب، يستشف منه قرار ضمني بإبقاء الأمر بيد حاكم مصرف لبنان والاستمرار بسرقة أموال المودعين وإجراء اقتطاع إجباري لقيمتها، للتهرب من تحمل مصرف لبنان والمصارف مسؤولياتهم، ولتحميل الخسائر الى الدولة والمودعين حصراً، بالتوازي مع إطفاء خسائر المصارف وسدّ فجوة مصرف لبنان من أموال الناس والأموال العامة. وذلك ما مهّد له الطريق اجتماع رئيس جمعية المصارف سليم صفير بوزير المالية يوسف الخليل (مدير العمليات المالية السابق في مصرف لبنان) حيث تحدث صفير بعد الاجتماع عن «إعادة هيكلة القطاع العام لتصحيح الاختلال بالاقتصاد» بمعنى تسييل أصول الدولة لسدّ العجز والخسائر التي سبّبها سلامة والمصارف. فالحلّ بالنسبة إلى صفير والذين يمثّلهم هو تحميل خطاياهم وسرقاتهم الى الطبقات الفقيرة والمعدمة، بالتزامن مع إعفاء رؤساء مجالس الإدارة والأعضاء والمساهمين في المصارف عما مضى من تهريب لأموالهم، التي كان من المفترض أن تعود الى المودعين. لذلك حثّ رئيس جمعية المصارف وزير المالية على «مراجعة السياسات الضريبية»!