لم تكد دقائق تمضي على إعلان ولادة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حتى اشتعلت طرابلس بأصوات الرصاص ابتهاجاً، وعمّ أغلب أحياء المدينة وصولاً إلى البدّاوي، خصوصاً من قبل مناصري ميقاتي وتيّار العزم، برغم تمنّي رئيس الحكومة على مناصريه عدم إطلاق الرصاص بالمناسبة.
وجاء إطلاق مناصري ميقاتي الرصاص تعبيراً عن غبطتهم بـ«الإنجاز الكبير»، كما وصفوه، برغم الأضرار المادية التي ألحقها الرصاص بمواطنين عبّروا عن استيائهم من هكذا تصرّف، بعدما تعذّر على اثنين قبله كُلّفا تأليف الحكومة واعتذرا هما الدكتور مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري، ما أبقى حكومة الرئيس حسّان دياب تمارس مهامّ تصريف الأعمال أكثر من سنة منذ استقالتها في 10 آب من العام الماضي.

واعتبر بعض مناصري ميقاتي التعبير عن فرحتهم «أمراً طبيعياً»، خصوصاً بعدما كتموا فرحتهم بتكليفه في 26 تمّوز الماضي، نظراً إلى الظروف السّائدة في ذلك الحين «خشية أن يلقى تكليفه مصير أديب والحريري»، فغابت يومها كلّ مظاهر البهجة بتسميته رئيساً مُكلفاً، سواء بإطلاق الرصاص أو رفع الصور واللافتات أو إقامة حفلات الرقص والدبكة كما جرت العادة، حيث بدت طرابلس يومها وكأنّها غير معنيّة بالحدث.

احتفاء مناصري ميقاتي بتأليفه الحكومة، وإن كان أقل من المتوقع في ظروف عادية، يعود برأيهم إلى ثلاثة عوامل: الأوّل عودته إلى السراي الحكومي الكبير ورئاسة الحكومة للمرّة الثالثة بعد عامَي 2005 و2011؛ والثاني إعادة رئاسة الحكومة إلى طرابلس بعد غيابٍ استمر نحو 8 سنوات؛ والثالث استطاعته تأليف حكومة في زمن صعب لأنه«وضع حدّ للانهيار وتلاشي مؤسّسات الدولة، كخطوة أولى، على أمل أن يسهم لاحقاً في إنقاذ البلد وانتشاله من أزماته»، وهي «المَهمة الأصعب» برأيهم.

أمّا تمثيل طرابلس في الحكومة فاقتصر على القاضي بسام مولوي الذي عُيّن وزيراً للداخلية والبلديات، وهي المرّة الثانية التي تتسلم فيها شخصية من طرابلس هذه الحقيبة منذ إقرار اتفاق الطائف عام 1989، بعدما تسلمتها قبله ريّا حفّار الحسن في حكومة الرئيس سعد الحريري قرابة سنة، من 31 كانون الثاني 2019 حتى 21 كانون الثاني 2020.

وسبق للقاضي مولوي أن تولّى الغرفة الابتدائية في بيروت، ورئاسة محكمة جنايات الشّمال، وكان أوّل قاض يعقد جلسة إلكترونية في تاريخ محافظة الشّمال، وذلك بسبب إقفال المحاكم إثر جائحة كورونا، لكن ذلك لم يحجب تساؤلات حول مدى قدرته على تسيير شؤون وزارته، وهي تساؤلات أحيطت بشكوك وطُرحت في طرابلس والشمال منذ اليوم الأول لتسريب خبر إمكانية توزيره من شخصيات سياسية ومحامين ومواطنين لم تكن تجربتهم معه مشجّعة خلال ترؤسه محكمة الجنايات في الشمال. كما أنّ مولوي ينحدر من عائلة طرابلسية أشرفت تاريخياً على التكية المولوية الصوفية في طرابلس، حيث تجري وكالة التنمية التركية «تيكا» حالياً أعمال ترميم لها.

لكنّ مخاوف تسود الطرابلسيين كما أغلب اللبنانيين من عدم قدرة حكومة ميقاتي على تحقيق الآمال المرجوّة، خصوصاً بعدما ألمح ميقاتي إلى أنّ حكومته سترفع الدعم عن المحروقات وغيرها لأن البلد «ليست فيه دولارات»، ودعوته إلى شدّ الأحزمة، في وقت يكاد أغلب اللبنانيين يختنقون من كثرة شدّها، خصوصاً في مدينة طرابلس التي تُعتبر مع ضواحيها في المنية والضنّية وعكّار من أفقر مدن ومناطق لبنان كافّة، بالتزامن مع بروز انتقادات من شخصيات سياسية طرابلسية أبرزها النائب السابق مصباح الأحدب الذي اتهم ميقاتي بأنه «سلّم البلد إلى ميشال عون»، حسب تعبيره.

في غضون ذلك يسود امتعاض كبير لتغييب مناطق شمالية عن التمثيل في الحكومة، أبرزها عكار.