لا تكاد عكار تصحو من مجزرة حتى تقع في مصيبة. بعد أكثر من أسبوع على جريمة التليل، وفي وقت لا تزال فيه المحافظة تدفن شهداءها، وقبل أن تتكشّف نتائج التحقيقات، وقع خلاف، أول من أمس، بين شبان من بلدتَي عكار العتيقة وفنيدق، أدى إلى سقوط الشاب المهندس رامي البعريني من بلدة فنيدق، لتندلع بعدها «حرب» بين البلدتين، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والمتوسطة والثقيلة، وتخللتها عمليات «أسر» لسبعة شبان من عكار العتيقة سلّمتهم فاعليات فنيدق الى الجيش اللبناني. الاشتباكات بين جرود البلدتين التي استمرت أمس أدت إلى مقتل غازي ميتا من بلدة عكار العتيقة.الاشتباكات تأتي على خلفية حرب باردة مندلعة منذ عقود بين الجارتين، وأشعلها خلاف على قيام أحد أبناء فنيدق بتقطيع الحطب في منطقة المدورات التابعة عقارياً لبلدة عكار العتيقة. وقد شيّعت فنيدق أمس الشاب البعريني الذي أصيب مع اثنين من رفاقه.
الخلاف العقاري على ملكية المشاع المتلاصق وترسيم خراج البلدتَين، يعود الى السبعينيات، ولم تنجح الأحكام القضائية، التي لم تنفذ في إنهائه. إذ يتمسك أبناء عكار العتيقة بملكيتهم للأراضي بموجب سندات منذ عام 1911، فيما يؤكد أبناء فنيدق أن «القموعة خط أحمر» وأن الحدود مرسومة طبيعياً. ولم تنجح وساطات الفاعليات السياسية والدينية ونواب تيار المستقبل ومفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا في الوصول الى نتيجة مقبولة من الجانبين. ورغم الشكاوى المتكررة لفاعليات عكار العتيقة لدى الرئيس سعد الحريري ومناشدته التوسط للحل، اعتمد زعيم تيار المستقبل سياسة غض النظر والتسويف حتى سفكت الدماء.
وبحسب الرواية المتداولة التي أكدها رئيس بلدية فنيدق سميح عبد الحي، فقد تلقى الأخير اتصالاً من رئيس بلدية عكار العتيقة محمد خليل أبلغه بقيام أشخاص من فنيدق بتقطيع الحطب في الوادي الأسود. «وعلى الفور، توجه الى هناك عضو بلدي وشرطة البلدية، وجميعهم غير مسلحين، وفور وصولهم صادروا الحطب وهمّوا بتسطير محضر ضبط، قبل أن ينهال الرصاص عليهم».
خلاف البلدتَين على الحدود يعود إلى عشرات السنوات


من جهته، أكد خليل في تسجيل صوتي أن «إطلاق النار حصل من جهة مجهولة. إذ علمنا بوجود آليات لقطع الحطب من الوادي الأسود، وعندما توجّه عناصر من شرطة البلدية الى المكان، طلبوا من الشباب المغادرة، ولكن حصل إطلاق نار، ما أدى الى تطور الخلاف». وأكد أن «أحداً من عكار العتيقة لم يبادر إلى إطلاق النار»، مناشداً الجيش فتح تحقيق.
تتربع القموعة التي أخذت اسمها من الجبل الهرمي الشكل، المنساب على شكل القمع فوق القرى العكارية. إذ تتدرج في الارتفاع من 1500 متر حتى 1700 متر عند السهل الفريد من نوعه في حوض المتوسط لوجوده على ارتفاع عال، وتحوطه مجموعة من التلال والهضاب تلفّه بشكل شبه دائري. وتتصل بحدودها الشاسعة الممتدة من منطقة أكروم عند الحدود اللبنانية ــــ السورية، مروراً بعندقت، القبيّات، عكار العتيقة، فنيدق، وصولاً الى قضاء الضنية، ومع محافظة البقاع لناحية جرود الهرمل.
ونظراً إلى أهمية المنطقة من الناحية الطبيعية والبيئية والحيوانية، ترتفع أصوات البيئيين باستمرار للمطالبة بإعلانها محميّة طبيعية، والمحافظة عليها من أعمال القطع المستمرة والممنهجة التي تطال أشجارها النادرة، حيث يسجل سنوياً قطع مئات الأشجار من الشوح، والعرعر، والسرو وهو ما دفع باتحاد جرد القيطع وبلدية فنيدق الى تفعيل عمل شرطة البلدية ونواطير الأحراج.
واللافت أن المنطقة لم تحظ بأي اهتمام من الجهات المعنية، بالرغم من صدور العديد من القوانين القاضية باعتبارها محمية، إلا أنها بقيت أسيرة الأدراج وسط غياب الوزارات المعنية، واستهتار نواب المنطقة.