خلاصة المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان أن «المجتمع الدولي» لا يزال يتعاطى معه أو بالأحرى مع السلطة القائمة فيه بالحد الأدنى. الكلام السياسي الأقرب الى الواقعية هو أن الدول الغربية تعمد الى التعامل مع النظام اللبناني، في شكل أقرب الى أسلوب تصرفها مع النظام السوري منذ اندلاع الحرب في سوريا، أي بخلاف تعاملها مع أنظمة الرؤساء: المصري حسن مبارك، التونسي زين العابدين بن علي والليبي معمر القذافي. ورغم اختلاف لبنان عن ظروف سوريا المعزولة غربياً، فإن الدول التي لا تزال تبدي بعض الاهتمام بلبنان، تحاول عدم الذهاب بعيداً في لعبة شدّ الخناق على النظام. وتحاول هذه الدول في المقابل إعطاء جرعات دعم للبنان عبر الجيش، مع التركيز على المنظمات غير الحكومية وليس دعم السلطة ومؤسساتها.في الشكل، نجح الضاغطون لتأمين مشاركة رئيس الجمهورية ميشال عون في المؤتمر، في مقابل حضور رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي وممثلين عن المجتمع المدني. ولعل الاهتمام الأكثر الذي حرص عليه المجتمعون هو تمييز المنظمات غير الحكومية عن السلطات اللبنانية وأدواتها في تبيان عدم الثقة بها، والحرص على تكرار عدم مرور المساعدات في الأقنية الرسمية. وقد بدا لافتاً ما عبّر عنه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، بطريقة مقاربته للأزمة اللبنانية بعيداً عن لغة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وإذا كان الرئيس الفرنسي قد حرص على توجيه احترامه الشخصي لرئيس الجمهورية، خلال كلمته، فقد ميّز وزير الخارجية عون بعبارة لافتة حين شدد خلال دعوته المسؤولين اللبنانيين ليكونوا على مستوى مسؤولياتهم التاريخية، بإشارته الى أنه يقول هذا الكلام في حضور رئيس الجمهورية اللبنانية.
لكنْ هناك جانب أساسي في المؤتمر الدولي، ولا يتعلق فقط بالانتقادات الحادة التي وجّهت الى المسؤولين اللبنانيين، إنما ما يتعلق بالانتخابات النيابية، وتأكيد ضرورة إجرائها «في الموعد المحدد». وهذا الكلام موجّه الى السلطة الحاضرة رئيساً للجمهورية ورئيساً مكلفاً، والقوى الغائبة عن الاجتماع. ورغم أن جميع القوى السياسية في لبنان تتحدث حتى الآن عن أن الانتخابات ستتم في موعدها، إلا أن هناك شكوكاً في احتمال إجرائها، داخلياً وخارجياً. وما دامت الاعتذارات عن عدم تشكيل الحكومة تتوالى، فما الذي يمنع الإطاحة بالاستحقاق الانتخابي؟ ولذا بدأ الضغط مبكراً، بمعزل عن تشكيل الحكومة، من أجل خلق جو ضاغط محلياً وخارجياً لعدم إلغاء الاستحقاق الانتخابي.
الظروف الإقليمية والدولية تبدو أكثر تشابكاً حالياً مما كانت عليه عام 2005


كذلك فإن التخوف من تأجيل الانتخابات بات أحد الملفات المتداولة خارجياً. فهناك ملامح كلام غربي عن احتمالات ذهاب لبنان الى مستويات أكثر حدة من تلك التي يعيشها حالياً، إن على المستوى المعيشي أو الأمني والسياسي. تبعاً لذلك يصبح الخوف من تطيير الانتخابات النيابية في سلّم الأولويات. وهذا الاحتمال عاد ليصبح مادة نقاش أساسية، خشية أن تتعثر المفاوضات الدولية والإقليمية ويصبح من السهل حينها تحويل الانتخابات إلى ورقة من أوراق المساومة. وما تخشى منه هذه الدول أن يكون المطلوب في مرحلة تعقيدات إقليمية الذهاب الى نوع من مراجعة للنظام اللبناني لا يمكن أن تتمّ إلا عبر تطيير استحقاق تلو آخر، وقد تكون البداية من الانتخابات النيابية. لذا تحاول جاهدة الضغط من أجل إجرائها، في محاولة لاستباق أي تطور دراماتيكي أو خطوات فجائية غير محسوبة. ورغم أن المشهد الدولي يذكّر بما جرى في عام 2005 من ضغط لإجراء الانتخابات وفق أي قانون موجود، فإن الظروف الإقليمية والدولية تبدو أكثر تشابكاً حالياً مما كانت عليه الأمور آنذاك، في ضوء تطور أو تراجع أدوار إقليمية ودولية في لبنان. كذلك فإن المشهد الداخلي، في ظل تموضع القوى السياسية بما يختلف عن مرحلة 2005، ينحو نحو خلط أوراق واتجاهات قد لا تكون تصبّ في اتجاه الانتخابات، وتجعل بعض المدافعين سابقاً عن إجرائها يتراجعون اليوم تحت تبريرات وذرائع مختلفة. ما يطرح علامات استفهام حول وجود حسابات محلية بتغطية من توترات إقليمية وتعثّر مفاوضات، قد تكون عاملاً مساهماً في الدفع نحو تجاهل ضغط المجتمع الدولي واحترام المواعيد الدستورية، وهي لن تكون المرة الأولى. وتبقى المخاوف قائمة من أن كثرة عوامل التفجير الداخلية، من أوضاع اقتصادية ومالية اجتماعية سيئة، وما يحيط بانفجار المرفأ وتحقيقاته، ربما تشكل عوامل ضغط قد تؤدي إلى ذهاب الوضع الداخلي الى مواجهات إذا لاح شبح تأجيل الانتخابات جدياً. وهذا ما تخشاه بعض العواصم التي لا تزال تعنى بلبنان.