حتى مساء أمس كانت صورة الملف الحكومي أقرب إلى الآتي: دولياً، حصل المرشح الأبرز لتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي على دعم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والاتحاد الأوروبي، شرط أن يلتزم ببرنامج التعاون الفوري مع صندوق النقد الدولي ويؤلف حكومة تضمن إطلاق برنامج الإصلاحات، مع رغبة في توزير فريق كبير من الاختصاصيين، وأن تكون مستعدة تماماً للإشراف على انتخابات نيابية في موعدها.
عربياً، أعلنت مصر دعمها لميقاتي، وكذلك فعل الأردن الذي شارك في اتصالات لتأمين الدعم الدولي له. أما السعودية، فما زالت عند موقفها الرافض لدعم أي حكومة لا تلبّي مطلبها بضمان «كبح جماح حزب الله» في العراق واليمن، علماً بأن استقبال السفير السعودي وليد البخاري للوزير السابق محمد الصفدي، لم يُقرأ إلا بوصفه «تنقيراً» على ميقاتي، لكن من دون أن يعني ذلك أن موقفها متشدد تجاهه، كما هي الحال مع سعد الحريري، الذي يرفض محمد بن سلمان السماع باسمه حتى. وبينما لا يظهر الإماراتيون والقطريون مواقف علنية معارضة لتنصيب ميقاتي، إلا أن الدولتين وكل من موقعها لا تريد إغضاب السعودية.
(هيثم الموسوي)

محلياً، كشف رؤساء الحكومة السابقون عن الاتفاق الفعلي الذي يشمل «القوى السياسية المسلمة» بوجه خاص، أي إن ميقاتي سيحظى بتأييد تيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي، إضافة إلى «مسيحيي القوى الإسلامية»، في مقابل سعي إلى فرض «حُرم مسيحي» ينطلق من رفض التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تسمية ميقاتي، إضافة الى استقالة نواب الكتائب والمستقلين المسيحيين المعارضين للسلطة. وفيما ستسمّي كتل «المردة» و«القومي» و«الطاشناق» ميقاتي، لم تعط بكركي موقفاً من تسميته، فاكتفى البطريرك بشارة الراعي، في عظة الأحد، بالقول إنه: «نتطلع إلى أن تجري ​الاستشارات النيابية​ الملزمة وتسفر عن ​تكليف​ شخصية إصلاحية يثق بها ​الشعب اللبناني​ المنتفض والباحث عن التغيير الحقيقي، مطالباً بتأليف الحكومة قبل 4 آب، فلا يكرر المعنيون لعبة الشروط والشروط المضادة والتنازع على الصلاحيات».
على أن تسهيل حصول ميقاتي على أغلبية كافية لتكليفه وتخطيه «عقدة» ميثاقية التسمية، أسوة بما فعل الحريري، فإن ذلك لا يضمن مسبقاً قدرته على تشكيل حكومة بأسرع وقت، وخصوصا أنه يريد الانطلاق في حواره مع الرئيس ميشال عون من النقطة التي وصل إليها الرئيس سعد الحريري، بينما لا توجد مؤشرات على نية عون إدخال تعديلات جوهرية على موقفه من طريقة تشكيل الحكومة ومن برنامج عملها، ما يعني أنه لا توجد ضمانة بتوافر عناصر تشكيل الحكومة.
«الوطني الحر» يقترب خطوة من ميقاتي، متراجعاً عن قرار تسمية نواف سلام


لكن بين ما يشاع من أجواء إيجابية تقول إن ميقاتي يحصل على دعم مسبق يتيح له إحداث صدمة بتخفيض سعر الدولار بما يزيد على عشرين في المئة قبل الرابع من آب المقبل (انخفض أمس إلى 17500 ليرة)، وبين احتمال تعقد الأمور نحو مواجهة تعيد خلط الأوراق، فإن الأمور تحتاج الى انتظار تطورات الأيام المقبلة. لكن الواضح أن أركان السلطة وغالبية القوى الخارجية يقفون اليوم عند شعار: حكومة اليوم، وبأي ثمن!
وعلى هذه القاعدة، كسرت حدة الاصطفاف قبيل الاستشارات، واقترب التيار الوطني الحر خطوة من ميقاتي، متراجعاً عن قرار تسمية نواف سلام إلى عدم تسمية أحد. وفيما تردد أن النائب جبران باسيل زار ميقاتي مساء السبت، فإن اللقاء بحد ذاته بدا خطوة متقدمة، بالمقارنة مع تعذر اللقاء بالرئيس المكلف السابق. وعلى ما تشير المعلومات، فإن حزب الله لعب دوراً في تليين موقف التيار، وخاصة أن الحزب يتعامل مع ميقاتي كمرشحه، وهو سيسميه اليوم للمرة الثالثة بعد العامين 2005 و2011.
كذلك، فإن الرئيس ميشال عون قطع الطريق أمام أي معلومات عن عدم حماسته لخيار ميقاتي، وقال في حديث إلى «الجمهورية»: «أنا جاهز للتعاون مع الرئيس ميقاتي أو أي شخصية يسمّيها النواب. ليست لديّ أي مشكلة على هذا الصعيد». أضاف: «الرئيس ميقاتي يجيد تدوير الزوايا، وهو من النوع المتعاون الذي يأخذ ويعطي، وبالحوار الصادق نستطيع أن نعالج أكبر مشكلة. هو يقترب قليلاً وأنا اقترب قليلاً، ويُمكننا عندها أن نلتقي في المنطقة الوسطى، من غير أن نخالف الدستور والأعراف».
وكان واضحاً أنه بعد حسم تسمية ميقاتي، فقد خصص الأخير لقاءاته أمس للبحث في شؤون التأليف، فالتقى، إضافة إلى باسيل، كلاً من الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومن ثم المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل. لكن لم تتضح بعد وجهة ميقاتي في التعامل مع الملف، يؤمل أن لا يكرر ما فعله الحريري، الذي قال إثر تكليفه بتشكيل الحكومة: «سأنكبّ على تشكيل حكومة بسرعة لأن الوقت داهم والفرصة أمام بلدنا هي الوحيدة والأخيرة». فكانت النتيجة هدر تسعة أشهر، وتراجع حاد في كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والنقدية.
مصادر التيار قالت لـ«الأخبار» إن تكتل لبنان القوي سينعقد قبل ظهر اليوم لاتخاذ قرار في شأن تسمية السفير نواف سلام من عدمه. وقالت لـ«الأخبار» إن لقاء العشاء بين ميقاتي وباسيل تم على « أساس واضح، وهو أن التيار لن يسمّي ميقاتي لرئاسة الحكومة، ولن يشارك فيها، ولن يمنحها الثقة... إلا إذا كان هناك ما يُبهر في تشكيلتها وبرنامجها». وأكدت أن اللقاء «لم يتطرق مطلقاً الى تشكيلة الحكومة أو توزيع الحقائب»، وأن البحث «اقتصر على استماع ميقاتي، بناءً على طلبه، إلى رؤية باسيل لشروط نجاح الحكومة، وأن الأخير أكد أنه «ليس معنياً بالحكومة»، مع التأكيد «أننا لسنا في صدد العرقلة، بدليل إصرار رئيس الجمهورية على إبقاء الاستشارات النيابية في موعدها، رغم إدراكنا للنيّات الخبيثة التي ستتكشّف تباعاً، وراء هذه التسمية ووراء الإتيان بميقاتي ليُكمل ما بدأه الحريري». وإذ أكدت أن «مطلبنا حكومة الآن... وبسرعة»، أعربت عن تشاؤمها من إمكان الخروج قريباً من «حفلة الجنون» القائمة.