مرّت نصف المهلة التي ينص عليها قانون تعليق أحكام السرية المصرفية في ما يتعلق بالتدقيق الجنائي، من دون أن يبدأ التدقيق. مفاوضات لا تنتهي تجري على خطوط متعددة، تشمل وزارة المالية وشركة «ألفاريز ومارسال» ومصرف لبنان، بمتابعة لصيقة من رئاسة الجمهورية. المماطلة فصل أساسي من هذه المفاوضات، لكنها صارت معتادة لكل من يعمل على الملف. ثمة جهات ترفض التدقيق من أساسه، ولا تيأس من وضع الألغام في طريقه. مصرف لبنان في طليعتها، هو الذي رفض تسليم المعلومات المطلوبة بحجج مختلفة، لكن ذلك لا يعفي معظم من أقرّوا القانون في مجلس النواب من السعي للالتفاف عليه.
رئاسة الجمهورية وافقت على التعديلات المقترحة على العقد (هيثم الموسوي)

مع ذلك، فإن هذه العقبات نُحّيت جانباً حالياً، وصار التركيز على السعي إلى إعادة إحياء العقد الموقّع معها. وزير المالية، غازي وزني، يرفض تحمّل المسؤولية عن أي قرار يتعلق بالتدقيق، وهو لذلك يطلب تكراراً موافقة رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية على كل خطوة. وبعدما حصل على موافقة استثنائية لتفويضه التفاوض مع شركة التدقيق على التعديلات المقترحة من قبلها، ونتيجةً لهذا التفاوض، أصرّت الشركة على الخطوات التالية:
- أن تدفع الدولة اللبنانية 150 ألف دولار أميركي بدل إنهاء العقد السابق الموقّع في 31 آب 2020.
- أن تدفع الدولة 100 ألف دولار تحتفظ بها الشركة لضمان تنفيذ العقد.
- تدفع الدولة كامل قيمة العقد، أي 2 مليون و740 ألف دولار بدل أتعاب ومصاريف عند توقيع العقد بما فيها المئة ألف دولار.
- تأكيد مصرف لبنان جاهزية المعلومات المطلوبة منه من قبل الشركة بموجب قائمة المعلومات (IRL) وبالشكل المتفق عليه.
- أن تقدم الشركة تقريرها الأولي في غضون 12 أسبوعاً من تاريخ بداية تقديم الخدمات.
لكن وزير المالية لم يبتّ هذه المطالب، لأن العقد سبق أن أحيل على هيئة التشريع والاستشارات، فقد طلب منه إعادة تحويل العقد الجديد إليها، لأخذ رأيها، علماً بأن مصادر مطّلعة كانت أشارت إلى أن وزير المالية سيطلب موافقة استثنائية جديدة على العقد، لما يتضمنه من التزام مالي ليس بصدد تحمّل مسؤوليته منفرداً، علماً بأنه كان أشار في كتابه الموجه إلى الهيئة، في 9 حزيران الجاري، والذي يطلب فيه رأيها في التعديلات تمهيداً لإبرام العقد، أن رئاسة الجمهورية وافقت على هذه التعديلات، فيما طلبت رئاسة مجلس الوزراء إرسال الملف إلى الهيئة لإبداء رأيها.
هيئة الاستشارات ترفض دفع قيمة عقد التدقيق سلفاً


بعد يوم واحد من تلقيها الكتاب، أنجزت رئيسة الهيئة القاضية جويل فواز الاستشارة، وحوّلتها إلى وزارة المالية في 14 حزيران، مركّزة على عدم جواز دفع قيمة العقد مسبقاً. فقد استغربت الهيئة كيف تلجأ شركة، مطلق أي شركة، إلى أن تفرض على الدولة أن تسدد لها كامل أتعابها قبل قيامها بالمهمة المطلوبة منها، والتي يراد التعاقد معها لإتمامها. لذلك، أوضحت الهيئة أنها لا توافق على هذا التعديل، مقترحة أن يصار إلى دفع نسبة من الأتعاب عند اتخاذ قرار بدء العمل (بعد تسليم مصرف لبنان كل المعلومات) لا تتجاوز بأحسن الأحوال نسبة 40 في المئة التي كان متفقاً عليها في العقد الأساسي، ولا سيما أن الشركة تكون قد حصلت مسبقاً، وقبل أن تبدأ بمراجعة المستندات والمعلومات المسلّمة إليها من مصرف لبنان، على 100 ألف دولار، يحق لها الاحتفاظ بها في حال إنهائها الاتفاق إذا لم تتمكن من اتخاذ قرار بدء العمل، لعلّة تسليمها المعلومات المطلوبة بشكل غير ملائم.
الهيئة كانت توقفت عند عدم الوضوح في طبيعة العقد. هل هو عقد جديد أم تعديلات على العقد القديم؟ فالوزارة تقول حيناً إنها تتعامل مع تعديل على العقد القديم، وتارة تقول إنها تفاوض على عقد جديد. لذلك أكدت الهيئة أنها لتتمكن من إبداء الرأي فيه بشكل نهائي يجب توقيع عقد جديد متكامل يصار إلى تضمينه التعديلات المراد إدخالها، مذكرة بأن العقد السابق لم يعرض عليها بشكله النهائي، إذ تضمن تعديلات لم تكن موجودة في المسودة التي اطلعت عليها.
أما بشأن دفع الـ150 ألف دولار التي تطالب الشركة بها نتيجة إنهاء عقدها الموقع في 31 آب 2020، فأوضحت الهيئة أنها غير قادرة على إبداء الرأي بشأنها، أولاً لأنها لم تطلع على كتاب الإنهاء المرسل من قبل الشركة، وثانياً لأنها ليست في موقع يخوّلها التحقق مما إذا كانت فعلاً المستندات التي جرى تسليمها إلى الشركة تكفي أو لا تكفي للبدء بمهمتها. وعليه، فهي اعتبرت أنه إذا رأت وزارة المالية أن ما تدلي به الشركة هو في موقعه الصحيح وأن المستندات التي سُلّمت إليها لا تكفي فعلاً لقيامها بعملها، فإنه لا حاجة إلى منازعة الشركة بالنسبة إلى هذا المبلغ.
ما الذي سيحدث بعد هذه الاستشارة؟ تذكّر شخصية مطّلعة بأن رأي الهيئة غير ملزم للإدارة، مشيرة إلى أن ما أدلت به هو البديهي، إذ لا يُعقل أن يُسدّد أحد الثمن الكامل لخدمة لم تنجز. مع ذلك، يقول المصدر إن هذا المبدأ لا يعني أن القيام بعكسه هو مخالف للقانون، فالدولة يحق لها أن تدفع بالطريقة التي تراها مناسبة. ويوضح أن هذا الطلب ناتج عن وصول لبنان إلى مرحلة اللاثقة بالنسبة إلى الشركات والمنظمات الدولية، وهو ما يجعل الشركة تطالب بالمبلغ كاملاً. ولذلك، المطلوب أن يعاد التفاوض مع الشركة مجدداً بشأن طريقة الدفع، بما يضمن لها الحصول على أموالها. ولذلك، علمت «الأخبار» أن وزارة المالية ستعقد عند الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم اجتماعاً مع «ألفاريز» عبر الهاتف، للبحث مجدداً في طريقة الدفع، علماً بأن رئاسة الجمهورية، على ما يؤكد وزير المالية، لم تعارض الأمر في المبدأ.