انكسرت الجرّة بين رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ونقيب المحامين ملحم خلف. وبدلاً من تعاون جناحَي العدالة، توسّع الشرخ بينهما. خلف يدعو إلى الإضراب فيردّ عبود بأنّ أبواب قصور العدل لن تُقفَلن داعياً القضاة إلى متابعة عملهم وأداء واجبهم، وعدم الاكتراث لحملات الإساءة والتجنّي.وكان خلف أعلن، أول من أمس، «بدء إنتفاضة المحامين الكبرى»، في لقاء عام للمحامين نظمته النقابة في قاعة الخطى الضائعة في قصر العدل في بيروت، لافتاً الى أن الخطوة الأولى من هذه الإنتفاضة «إقرار إقتراح قانون إستقلالية القضاء فورا في مهلة لا تزيد عن عشرين يوما».
صرخةُ «طفَحَ الكيل» هي التسمية التي أطلقها محامون على خطوة مجلس نقابتهم. وهي تأتي نتيجة تراكم التدخلات السياسية التي تتحكم بالقضاء، «فلو كان القضاء يقوم بواجباته، باستقلالية وحزم، لما وصل البلد إلى ما وصل إليه اليوم، لا سيما أنّ الانهيار في المؤسسة القضائية جزءٌ من الانهيار العام في البلد». أضف الى ذلك أنّ دور القضاء في «سرقة القرن» المتمثلة بنهب المصارف لأموال المودعين يكاد لا يُذكر، اللهمّ إلا ببضع فلتات لقضاة شجعان. فيما هناك قضاة فاسدون ومرتشون، «ينامون» على الشكاوى، ويُغطّون مرتكبين، ويحابون سياسيين ومتنفّذين، ويُطوِّعون القانون تبعاً لأهوائهم.
والأسوأ أن القضاء لا يعمل على تطهير نفسه لأن التفتيش القضائي في غيبوبة. أما القضاء العسكري فأسوأ حالاً: أخطاء بالجملة، وانعدام للمحاسبة، وتغطية للجنوح نحو الدولة البوليسية، وغطاء لارتكابات الأجهزة الأمنية والعسكرية.
لكن، في مقابل هذه النظرة إلى القضاة، نظرة لا تقل سوءاً من القضاة إلى بعض المحامين. يعتبر بعض هؤلاء أن لدى نقيب المحامين مشروعاً سياسياً لا يخفى على أحد. كما أن «شعبوية بعض المحامين وتجرؤهم على التطاول على القضاة من دون اتخاذ النقابة إجراءات حقيقية ضدهم يضعها في موضع الشبهة». أضف الى ذلك، أن من «عدم الإنصاف» تعليق كل الموبقات على قضاة يعملون في ظروف أقل ما يمكن أن توصف بأنها مهينة، حتى إن فكرة الهجرة باتت تراود كثيرين منهم. وحالهم في ذلك من حال جميع اللبنانيين. ففي ظل الظروف التي تمرُّ بها البلاد، لا كهرباء ولا مكيّفات ولا حبر ولا ورق في مكاتب القضاة. فكيف يصدر هؤلاء أحكامهم وقراراتهم في مثل هذه الظروف، وفي قصور عدل مهترئة تفتقر إلى أبسط الخدمات. فعلى سبيل المثال، انقطعت المياه عن حمامات قصر العدل قبل أشهر بسبب عطل في «طرمبة» المياه. استمر العطل طويلاً، حتى بادر الرئيس الأول في بيروت حبيب رزق الله إلى إجراء «لمّية» من القضاة لشراء مضخّة جديدة وتركيبها لعدم وجود اعتماد!
رغم ذلك، يؤكد محامون أنّ هناك «قراراً سياسياً بعدم بناء قضاء فعلي». وبناءً عليه، كان القرار بضرورة فتح معركة استقلالية القضاء. وهم كانوا يتوقعون أن يلاقي القضاة خطوة مجلس النقابة بخطوة أكبر، وأن يتلقف عبود هذه المبادرة، وخصوصاً أن «مشروعه كان الحفاظ على استقلالية القضاء قبل تسلّمه منصبه». لكن أملهم خاب، لذلك فإن الاتجاه هو الى القيام بسلسلة تحركات خلال مدة الإضراب البالغة عشرين يوماً، على أن يكون في اليوم الـ ٢١ موقف تصعيدي كبير.