مرة جديدة، يلجأ تيار المستقبل إلى وضع اللبنانيين أمام خيارين: إما الخضوع للسياسة السعودية، وإما تهديد مصالح المغتربين في دول الخليج. المناسبة أمس كانت موقف وزارة الخارجية النائي بلبنان عن الهجوم السعودي على إيران، على خلفية اقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، من قبل متظاهرين غاضبين بعد مجزرة الإعدامات التي نفذها النظام السعودي بداية العام الجاري. ورغم أن السلطات الإيرانية اعتذرت عن اقتحام البعثتين الدبلوماسيتين، فإن الحكم السعودي قرر المضي في الهجوم على إيران، للتغطية على خبر المجزرة، ولزيادة التحشيد ضد طهران، ورفع مستوى التوتر المذهبي في الإقليم. وبطبيعة الحال، قرّر "المستقبل" مجاراة القرار السعودي، وابتزاز اللبنانيين: إما الخضوع، وإما قطع أرزاق من يعملون في دول الخليج؛ مع ما يعنيه ذلك من تبرير مسبق لأي قرارات مستقبلية يتخذها حكام الخليج بطرد لبنانيين يعملون في تلك البلاد، كما جرى سابقاً في الإمارات والسعودية. فبعد امتناع مندوب لبنان أمس عن تأييد قرار بإدانة إيران أصدره الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية المؤتمر الإسلامي، خرج تيار المستقبل، على لسان رئيسه سعد الحريري، ورئيس كتلته فؤاد السنيورة (وانضم إليهما حليفهما النائب مروان حمادة)، ليدين الموقف اللبناني، ويحذّر من خطورته على الاقتصاد، وعلى "مصالح اللبنانيين" في دول الخليج. ولجأ السياسيون اللبنانيون الثلاثة إلى محاولة استرضاء حكام الجزيرة العربية، من خلال اتهام وزير الخارجية جبران باسيل بأنه رهينة للسياسة الإيرانية، وبأن موقفه يعارض سياسة "غالبية اللبنانيين".
مصادر المستقبل تنفي أن تكون مقابلة "العربية" مع جعجع بقرار سعودي

وعلى المنوال ذاته، صدر موقف لافت من رئيس الحكومة تمام سلام، من منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس في سويسرا، حيث اعتبر أن التوتر بين إيران والسعودية سببه التدخل الإيراني في الشؤون العربية. وقال في ندوة مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إن السعودية، "تعتبر، وهي محقة بذلك، أن لها دوراً قيادياً في العالم العربي وأن عليها أن تضطلع بهذا الدور بما من شأنه تعزيز الاستقرار وتحسين الأوضاع الإقليمية. أما إيران فتتدخل في العالم العربي منذ سنوات عديدة، وهذا هو أصل النزاع بينها وبين السعودية". أضاف سلام: "السعودية تعلن أنها لا تتدخل في شؤون إيران، فلماذا تتدخل إيران في شؤوننا الداخلية، ولماذا تزيد الأوضاع تعقيداً".
وردّ باسيل، ببيان صدر عن الوزارة، قال فيه إن "الخارجية" عملت بموجب التوافق "الذي ظهر جلياً على طاولة الحوار الوطني حول هذا الموقف في جلسته الأخيرة إبان عرض وزير الخارجية معطيات وموجبات الموقف اللبناني (في اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل أسبوعين) والتي تكررت نفسها الآن في منظمة العمل الإسلامي". وكرّرت الوزارة إدانة لبنان "للاعتداءات على البعثات الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، ورفض "التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية". وذكّر البيان بأهمية "الإجماع العربي عندما لا يمس بالوحدة الداخلية، مع الإشارة الى أن موقف لبنان بالامتناع عن التصويت (النأي بلبنان) لم يخلّ بأي إجماع، إذ إن الموقف اللبناني الذي حصل في الاجتماع، لم يأت معترضاً بل ممتنعاً، بالإضافة الى الموقف المتحفظ والآخر المعترض اللذين صدرا عن دول مشاركة".
رئاسياً، لم يطرأ على المواقف ما يغيّر من صورة المشهد العام، باستثناء ما تسرّب أمس من معراب. فعلى عكس تأكيدات تيار المستقبل، فإن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يبدو واثقاً من أن الموقف السعودي سيؤيد خطوته ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. وذكرت مصادر قواتية لـ«الأخبار» أن رئيس القوات أكد في اليومين الأخيرين أمام عدد من مسؤولي حزبه أن الجو السعودي مغاير تماماً لما يحاول الحريري تصويره، مشيراً إلى أن «هذا الموقف سيتضح خلال أسبوعين وسيكون لصالحنا». حتى إنه ذهب إلى حدّ التلميح بأن «المملكة ستصدر موقفاً داعماً للمصالحة المسيحية، وقد تعطي الضوء الأخضر للحريري وتيار المستقبل للسير بالخيار الذي اتخذناه».
وبدا لافتاً أمس أن قناة العربية السعودية أجرت مقابلة مع جعجع، وهو ما يمكن أن يصب في خانة ما ينقله قواتيون عنه، رغم أن مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل نفت أن تكون مقابلة "العربية" جرت بقرار سياسي سعودي. كذلك نفت المصادر أن يكون في الرياض أي توجه لإعلان الدعم لخطوة رئيس القوات الرئاسية. وكرّر جعجع في المقابلة مواقفه التي دعا فيها حزب الله إلى الضغط على حلفائه للنزول إلى مجلس النواب وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.