تحت فيء الأشجار في حديقة بلدية صيدا، تجمع أمس 13 عاملاً في معمل معالجة النفايات في المدينة احتجاجاً على صرفهم التعسفي من العمل من قبل الشركة المشغلة (أي بي سي) «بعد مطالبتهم بزيادة رواتبهم». هم جزء من مجموعة عمال صرفوا في الأسبوع الماضي، غالبيتهم من أبناء المخيمات الفلسطينية وبعض السوريين، إلى جانب عدد من اللبنانيين. المشاركون في التجمع الذي هدف إلى لقاء رئيس اتحاد بلديات صيدا - الزهراني (المشرف على المعمل) محمد السعودي، لم يتمكنوا من حسم عدد زملائهم المصروفين الكامل. «بدءاً من الإثنين في 15 شباط الجاري، أُبلِغنا على دفعات بالتوقف عن العمل»، قال أحد العمال الذي أشار إلى أن الخطوة طالت أقساماً مختلفة. كثير من المصروفين خافوا من المشاركة في تحرك أمس خوفاً من ردود فعل انتقامية من الشركة. حتى إن مجموعة الـ13، لم تعتصم في الأساس. رغم الكدح الظاهر على وجوههم الصفراء، والنحول البادي على أجسادهم المنهكة والتثاقل في تنشق الهواء والجروح العميقة التي شوهت أيديهم من أثر الآلات، تحفظ أصحاب الحقوق في تصريحاتهم. يشترطون عدم تصويرهم أو ذكر أسمائهم. «ما نريد فعله هو القيام بجولة على السعودي ونائبي المدينة أسامة سعد وبهية الحريري، لعرض قضيتنا والمطالبة بالحصول على مستحقاتنا التي يكفلها قانون العمل في حال لم نتمكن من العودة إلى عملنا»، قال أحد منظّمي التحرك. أصرّ الأخير على تذكيرنا بأن تجمعهم ليس اعتصاماً. يتبيّن أن إصراره ما هو إلا حرص على ثلاثة من زملائه كانوا أجبروا على التوقيع على تعهد سابق بعدم المشاركة في أي تحرك احتجاجي حقوقي!لم يتلقّ المصروفون إنذارات بالصرف سابقاً كما يفرض القانون. على هواتفهم، احتفظ البعض برسائل من موظفة في قسم الموارد البشرية تبلغهم بتوقفهم عن العمل، وبأنها تعمل على تجهيز مستحقاتهم لتسليمها الإثنين (أمس)، وهو ما لم يحصل. أحدهم، وبعد أن أمضى ست سنوات في الخدمة، أبلغه حارس المدخل الخارجي للمعمل لدى انتهاء دوامه: «لا تأتِ غداً إلى العمل». على البوابة «كانت نهاية خدمتنا من دون كلمة شكراً»، قال أحد العمال مستهزئاً. لكن ما الذي استجد لكي تتخذ الشركة قرار الصرف؟ يقول العمال إن القرار أعقب سلسلة من الاعتصامات نفذوها للمطالبة بزيادة الرواتب بدءاً من شهر تشرين الثاني الفائت، وكان آخرها في 13 شباط الجاري. لكنها كانت اعتصامات منظمة من قبل أصحاب الشركة! إذ أكد العمال أنهم كانوا «يدفعون للاعتصام تحت غطاء زيادة الرواتب». إلا أن غاية أصحاب الشركة من الاعتصامات «الضغط على الدولة لتسعّر بدل معالجة الطن الواحد من النفايات البالغ 95 دولاراً على سعر الصرف 3900 ليرة لبنانية وليس على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة، كما كان يحصل منذ انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار»، بحسب العمال (راجع «الأخبار»: النفايات في صيدا: إضراب عمال الفرز أم أصحاب المعمل؟)
قدّم المصروفون دلائل كثيرة على وقوف الشركة خلف الاعتصامات السابقة، منها «تدخل رئيس مجلس إدارتها نبيل زنتوت لإخلاء سبيل ثلاثة من العمال بعد أن أوقفتهم القوى الأمنية إثر أحد الاعتصامات، حين حضر شخصياً إلى المخفر لاصطحابهم». فلماذا انقلبت المسرحية إلى أمر واقع؟ «صارت لعبتهم مكشوفة أمام فعاليات المدينة والبلدية والوزارات المعنية. طلعت براسنا ليبرهنوا أننا من كنا ننظم الاحتجاجات».
قلما تسنح الفرصة لأولئك الكادحين في أن يتنفسوا هواءً عليلاً أو أن يتجمعوا في فسحة راحة. وجدوا في الصرف ولو تعسفياً فرصة للراحة. «إنها عملية استعباد»، يختصر أحد المصروفين ظروف العمل. الصرف التعسفي توّج سنوات من معاناة العمال في ظروف غير سليمة. يستعرضون لائحة طويلة من الشكاوى التي تفوق جرم الصرف التعسفي بحقهم. «معظم العمال غير مثبتين وغير مسجلين في الضمان الاجتماعي أو في أي برنامج تأمين صحي، رغم مرور أكثر من خمس سنوات على التحاقهم بالعمل. حتى عندما تعرّضنا للإصابة خلال العمل، تعالجنا على نفقتنا الخاصة». كثير منهم لا يزيد أجره على الحد الأدنى للأجور (675 ألف ليرة كمعاش و200 ألف أخرى بدل نقل) حتى بعد انهيار سعر صرف الليرة. وهنا يلفت العمال إلى أن عقود توظيفهم تحدد قيمة أجورهم بالدولار وليس بالليرة. لكن الجميع، حتى قبل انهيار سعر الصرف، يقبض ما يوازيه بالدولار وفق سعر الصرف الرسمي. ومن الشكاوى أيضاً، عدم تشغيل أجهزة تنقية الهواء التي من المفترض أن تسحب الانبعاثات السامة. في المدينة التي تختنق بالروائح المنبعثة من المعمل صيفاً وشتاءً، «نصبح نحن الفلاتر للغازات السامة داخل أسوار المعمل المقفل. فقط يشغلونها عندما يحضر وفد رسمي للقيام بجولة».
وضع المصروفون خطة تحرك لتحصيل حقوقهم في حال لم توافق الشركة على إعادتهم إلى العمل «لعدم توافر فرص أقل ذلاً في هذا البلد»، قال أحدهم. أمس، تقدموا بشكوى ضد الصرف التعسفي في مكتب وزارة العمل في الجنوب عبر وكليهم القانوني. بعدها حاولوا لقاء السعودي في البلدية، لكنهم لم يفلحوا بسبب تغيبه. انتقلوا إثرها إلى مكتب النائب أسامة سعد طالبين مساعدته على إعادتهم إلى العمل أو تحصيل حقوقهم. سعد اتصل بالسعودي ووزيرة العمل لميا يمين، مستحصلاً منهما على وعد بمتابعة القضية. من جهته، أيّد الحزب الديموقراطي الشعبي تحركات العمال، محمّلاً المسؤولية لـ«بلدية صيدا بوصايتها على المعمل». وطالب في بيان له «وزارة العمل بإلزام الشركة المتعسّفة بتطبيق بنود قانون العمل اللبناني لجهة صون حقوق العمال».
في المقابل، ردّت الشركة الاتهامات التي وجهها العمال إليها. مصدر مسؤول قال لـ«الأخبار» إن عدد المصروفين 25 شخصاً صرفوا لأسباب مختلفة؛ 12 منهم صرفوا لأنهم رفضوا العودة إلى العمل بعد أن تواصلنا معهم مرات عديدة وحذرناهم من استبدالهم بآخرين في حال لم يلتحقوا بعملهم. أما الـ13 الآخرون، فالمعمل لم يعد بحاجة إليهم منذ اكثر من ستة أشهر بسبب انخفاض الكميات اليومية الواردة إلى المعمل. لكن الإدارة تمنّعت سابقاً عن صرفهم مراعاة للأزمة الاقتصادية». المصدر أقرّ برفض تلبية مطالب العمال بزيادة الرواتب. «الشركة تضطر شهرياً إلى شراء قطع غيار للمعدات بقيمة ٥٠ ألف دولار بسعر الصرف بحسب السوق السوداء». سبب إضافي لعدم قدرة الإدارة «أنها لا تزال تقبض بدل معالجة النفايات (٩٥ دولاراً عن كل طن) وفق السعر الرسمي لصرف الدولار. وكانت الإدارة قد راجعت كلاً من أمانة مجلس الوزراء ووزارتي المالية والداخلية والبلديات و حاكمية مصرف لبنان». هل يستفيد العمال في حال زادت قيمة البدل الذي ستقبضه الشركة المشغلة للمعمل عن كل طن؟ «سنقوم بزيادة الرواتب فور حصول التعديل». وبالنسبة إلى المصروفين، يؤكد المصدر أن «كل شخص تم صرفه سيعطى حقوقه وفق القانون».
لا يصدق العمال ادعاءات العجز المالي لشركة (آي بي سي) التي يسهم في ملكيتها أكثر من مستثمر خليجي. يشيرون إلى أنها «حصلت في السنوات الماضية على عشرات ملايين الدولارات الإضافية لقاء تشغيلها للمعمل، وبالحد الأدنى لقاء استقبال 250 طناً يومياً من نفايات بيروت». ولفتوا إلى أن انهيار قيمة الليرة وارتفاع الأسعار جاءا لمصلحتها بعد ارتفاع أسعار المواد التي تبيعها بعد الفرز، كالحديد والنحاس الأحمر والبلاستيك (...).



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا