هامش المناورة عند رياض سلامة يضيق. ولذلك، فإن هامش مسايرته للسلطة يضيق أيضاً. لديه استحقاقات قضائية عليه التعامل معها من دون أن يكون واثقاً من دعم شركائه في الحكم. وهو لذلك، ولأن الحكومة التي يتمنى تشكيلها لا أفق لها، قرّر أخذ الأمور بيده. أول الغيث كان البيان الذي حمّل فيه الحكومة مسؤولية التأخر في بت مسألة ترشيد الدعم. لم يعد يناسبه بقاء الأمور على حالها. تحذيراته المستمرة من اقتراب نفاد الاحتياطي القابل للاستعمال لم تلق آذاناً صاغية من الحكومة، التي تبحث منذ نحو ستة أشهر مسألة ترشيد الدعم من دون أن تتوصل إلى أي نتيجة. هي كأس يرفض كل الأطراف تجرّعها. ولذلك عندما تذاكت الحكومة بإرسال أربعة سيناريوات إلى المجلس النيابي، رفض الرئيس نبيه بري تسلّمها، داعياً إلى الاتفاق على سيناريو واحد وإحالته إلى المجلس. لكن ذلك يبدو متعذراً أيضاً. الوصول إلى اتفاق أولي لم يتحوّل إلى اقتراح رسمي يحال إلى المجلس النيابي. الخلافات الوزارية لم تنته بشأن آلية الترشيد واعتماد بطاقة الدعم وتمويلها. أضف إلى ما يتردد عن رفض الرئيس حسان دياب إرسال سيناريو واحد. بعد الاجتماعات المتتالية التي عقدتها اللجنة المعنيّة بمسألة الدعم، يبدو أن دياب عاد وأصرّ على عدم السير قدماً في المسألة. وهو، على الأرجح، ما جعل سلامة ينتفض. فعدم تحمّل المؤسسات الدستورية لمسؤوليتها يعني عملياً استمرار مصرف لبنان في تولي المهمة، وهو ما يسعى إلى تجنبها منذ أشهر. في هذا السياق، أتى البيان الذي كان عنوانه دعم الكهرباء، لكن مضمونه السعي إلى رمي الحمل عنه باتجاه الحكومة، طالباً منها تحمّل مسؤوليتها في تأمين العملات الأجنبية اللازمة للمصاريف والمستوردات الأساسية. بحسب مصدر معني، فإن في ذلك تمهيداً إلى نفض يديه من المسّ بالاحتياطي الإلزامي، وبالتالي دفع الحكومة ومن ثم المجلس النيابي للطلب منه صراحة الصرف من هذا الاحتياطي الذي وصل إلى 17 مليار دولار. أيّ قرار من هذا القبيل سيعني تبرئة ذمته عن صرف الاحتياطات سابقاً، على اعتبار أن لا فارق قانونياً بين الاحتياطي إن كان طوعياً أو إلزامياً. في الحالتين أموال المودعين هي التي تُبدّد. عندما كان الاحتياطي 32 مليار دولار مع بداية الأزمة، على سبيل المثال، كان سلامة صارماً في التأكيد أن السياسة النقدية هي مسؤوليته فقط.كان ذلك من الماضي. حالياً، أيّ تعديل في آلية الدعم لن يتحمّلها وحيداً، علماً بأنه صار يُشرك المجلس المركزي في كل القرارات. أما بالنسبة إلى مسألة دعم قطاع الكهرباء للعام 2021، فالاجتماعات بين وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان من جهة، ومصرف لبنان من جهة أخرى، كانت قد بدأت منذ 28 تشرين الأول الماضي، كما كانت تسير بشكل سلس وعلمي، واتفق في نهايتها على تحضير المؤسسة للائحة تفصيلية بحاجات المتعهدين المتعاقدين معها. لذلك، فإن انقلاب المصرف على الاتفاق، وقفزه عن النقاش في الجداول التي قُدمت له عن حاجات القطاع، والتي يُقدّر مجموعها بـ 300 مليون دولار، بدا مغامرة كبيرة بالنسبة إلى مصدر مطّلع على الملف. يقول المصدر إنه كان بإمكان المصرف أن يرفض الالتزام بكامل المبلغ، على أن تعمد بعدها كهرباء لبنان إلى وضع أولويّاتها بناءً على ما تمّت الموافقة عليه من مبالغ. لكن قلب الطاولة على كل ما اتّفق عليه بدا مشبوهاً بالنسبة إلى المصدر. فهل حقاً يحتمل مصرف لبنان أن يتسبب بالعتمة، بما تعنيه من توقف لكل المرافق الحيوية؟ سريعاً، يؤكد مصدر مسؤول أن المصرف لا يمكن أن يحتمل ذلك حكماً، لكنه في المقابل لن يحتمل تقديم أي التزام أو تعهد بتأمين 300 مليون دولار لكهرباء لبنان والشركات المتعاقدة. وهو في عام 2020، اكتفى بالالتزام الشفهي مع كهرباء لبنان، ومع مقدمي الخدمات، لكن المشكلة أنه سرعان ما تراجع عن التزامه بتأمين حاجة هذه الشركات من الدولارات. للمناسبة، فإنه من أصل نحو 150 مليون دولار، كان قد تعهّد بتأمينها للقطاع في عام 2020، لم يدفع أكثر من 100 مليون دولار، فيما تتكدس عنده الفواتير التي لم يبتّها. هذه السياسة على فوضويّتها والإرباك الذي تشكّله للقطاعات المستفيدة، إلا أنها تناسب سياسة المصرف، الذي يتحكّم بكل مفاصل الدعم. ولذلك، يتوقّع مصدر مطّلع أن يحافظ المصرف على «اللاآليّة» التي يتّبعها حالياً، أي الدفع بشكل غير منتظم.
«الحاكم» لهدر أموال المودعين بقرار حكومي

وأكثر من ذلك، يشير المصدر إلى أن المجلس المركزي الذي يحرص سلامة على إشراكه في كل القرارات، لن يعترض، على سبيل المثال، إذا قدمت كهرباء لبنان مستندات مفصّلة تثبت حاجتها للدولارات خلال الشهر المقبل، أو خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. لكنه لن يكون مستعداً لتقديم التزام طويل الأمد. هذا الموقف، بالرغم من أنه مفهوم من قبل المصرف الذي لا يضمن كيف سيكون وضع الاحتياطي في العملات الأجنبية خلال سنة، إلا أنه سيتطلّب اقتناع الشركات المتعاقدة مع المؤسسة، وتحديداً شركة «برايم ساوث» التي ينتهي عقدها اليوم، بالاستمرار بالعمل وفق الآلية السابقة. أي من دون أي ضمانة بالحصول على أموالها، علماً بأن لها في ذمة كهرباء لبنان عن العام الماضي 45 مليون دولار، لا تزال المفاوضات بشأن الحصول عليها بالدولار مستمرة. لكن لأنّ المسألة لا تحتمل أيّ مخاطرة، عقد حسان دياب، مساء السبت، اجتماعاً طارئاً في السرايا الحكومية، حضره وزيرا الطاقة والمالية، إضافة إلى حاكم مصرف لبنان.
خلال الاجتماع، اتصل دياب بالرئيس التنفيذي لشركة «برايم ساوث» خالد العلمي، متمنّياً عليه الاستمرار بتشغيل معملَي دير عمار والزهراني، وواعداً بمعالجة موضوع المستحقات مع مصرف لبنان خلال الأيام المقبلة (طُلب من كهرباء لبنان إعداد ملفّ مفصّل عن المطلوب لتشغيل معملَي دير عمار والزهراني لتسليمه إلى مصرف لبنان). وقد استجابت الشركة الأميركية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا