لعلّ أسوأ ما حمله الرئيس سعد الحريري في تشكيلته التي يسعى إلى فرضها حكومة أمر واقع، اسم يوسف خليل، مرشحاً لتولي وزارة المالية (إلى جانب وزير شيعيّ آخر، هو جهاد مرتضى!). خليل هو مدير العمليات المالية في مصرف لبنان. وهو أحد الثقات في نظر حاكم البنك المركزي، رياض سلامة. فخليل مسؤول، عملياً، عن كل العمليات الخاصة ببيع شهادات الإيداع للمصارف، وصفقات شراء سندات الدين بالعملات الأجنبية. وبموجب صلاحياته، كما من خارجها، هو مسؤول عن تنفيذ الهندسات المالية الشهيرة، التي ارتكبها رياض سلامة في السنوات الخمس الماضية، وحقّق فيها أرباحاً خيالية للمصارف (في عام واحد، صرّحت المصارف عن أرباح من «الهندسات» تجاوزت مبلغ 5 مليارات دولار). ويثق سلامة بخليل أيضاً، إلى حدّ تكليفه بإدارة ملفات لا تتصل بوظيفته بصورة مباشرة.يوسف خليل، المحسوب أيام دراسته الجامعية على مجموعات يسارية، كانت له مواقف في تسعينيات القرن الماضي تبدو معترضة على سياسات رفيق الحريري وفريقه. لكنه كان، على الدوام، قريباً من سلامة، ومدافعاً عن سياساته، ومنفذاً لها، وخاصة بعد بداية الألفية. على هذا الخيار، رست بورصة حركة أمل لترشحه وزيراً للمالية. الإدارة الفرنسية ترتاح إليه. ورغم غضب باريس على سلامة نتيجة افتعاله ما لا يُفتعل في إدارة المصرف المركزي، إلا أنها تثق بالشخص الذي يثق به!
رياض سلامة سوّق اسم يوسف خليل لدى الرئيس نبيه بري، كما لدى الحريري. يزعم أن وجود وزير للمالية يمكنه التفاهم معه، سيسهّل تنفيذ خطط للخروج من الأزمة. عملياً أيضاً، يمكن القول إن رياض سلامة هو مَن اختار يوسف خليل ليتولى «المالية».
أداء حركة أمل في هذا المجال غير مفهوم. ومنذ أسابيع، تُوجَّه أسئلة لمسؤولين فيها، من دون أن تكون لديهم أجوبة عمّا تقوم به: من إحباط خطة الحكومة للتعافي المالي (وهي خطة ليست «عظيمة»، لكن فيها ما هو «أضعف الإيمان»: معرفة أرقام القطاع المالي وخسائره)؛ إلى سحب مشروع القيود على رأس المال (كابيتال كونترولز)؛ إلى التمسك بحماية رياض سلامة. في الأخيرة، تُظلم الحركة ورئيسها عند تحميلهما وحدهما مسؤولية حماية الحاكم. فهو أقوى من أن يهزّه أحد. لكن المستغرب هو الظهور في مظهر المدافع الاول عن سلامة، فيما هو في أرذل العمر السياسي - النقدي - المالي.
في العقود الثلاثة الأخيرة، تحمّلت الحركة، عن حق كما عن باطل، الجزء الأكبر من موبقات نظام الطائف. من الواجب تحميلها ما كانت شريكة فيه، لكنها أسهمت، وبجِدّ، في تحميل نفسها ما لا تتحمّله. ألصِقت بها الصورة الأسوأ لتركيبة ما بعد الحرب الأهلية، إبان الصعود. وها هي اليوم تجهد في تصوير نفسها رافعة للتركيبة فيما هي تتداعى. ما جرى في تسعينيات القرن الماضي كان تحت شعار الدفاع عن حقوق الطائفة. لكنه جرى بصورة «طبيعية»، تجعل من الرئيس نبيه بري فخوراً وهو يقول: «إذا أردتم الكفاءة، فنحن لها. وإذا أردتم المحاصصة، فـ«ع السكين يا بطيخ»». كانت الحركة حينذاك قادرة على القول إنها تدافع عن مصالح فقراء الطائفة. وللأمانة، فإن الغالبية العظمى من جمهور أمل، بخلاف ما يُصوّر، هم من الفقراء. حتى الذين «استفادوا» من «استيعاب» الدولة، بإداراتها المدنية والأمنية والعسكرية، للأحزاب المشاركة في الحرب الأهلية، باتوا اليوم فقراء، أو على مقربة من خط الفقر.
يمكن، ببساطة، لحركة أمل أن تدافع عن غالبية ما قامت بعد العام 1992. حتى تجربة مجلس الجنوب، فيها جانب «مشرق»، يعاكس كل ما يُقال، بحق أو بباطل أيضاً، عن الفساد فيها. بلى، يمكن «أمل»، بكل أريحية، أن تدافع عن تجربتها في تسعينيات القرن الماضي، أو على الأقل، عن جزء منها. بلى، يمكنها أن تقول إنها كانت تدافع عن مصالح الطائفة. لكن اليوم، عن أي مصالح تدافع؟ هل يمكنها أن تجيب عن هذا السؤال، لناخبيها لا لخصومها أو منافسيها؟ عن مصالح مَن تُدافع بيوسف خليل؟ وعن مصالح مَن تدافع برياض سلامة؟ وعن مصالح مَن تدافع بمنع الكابيتال كونترولز؟ سيسهل على حركيين كثر الإجابة بأن هذا سؤال «حاقدين»، وأن هذه «تعليمة» من قريب أو بعيد، فيما هم يُدركون أن هذا ليس واقع الحال. تماماً كما يعلمون بأن ما يسوّقه ياسين جابر أو أشباهه عن قدرات عجائبية لرياض سلامة ستحفظ «ودائع أبناء الطائفة المغتربين»، ليس سوى ضرب من الوهم. فالودائع ضاعت. وبعيداً عن هذا التفصيل، على أهميته، ليس بمِثل يوسف خليل تُخاض معركة إبقاء وزارة المالية «بيد الشيعة». بمثلِه ستكون الوزارة بيد رياض سلامة، ولا أحد سوى رياض سلامة. وعندها، ستجوز الرحمة على عهد علي حسن خليل، الذي لم يواجه حاكم «المركزي» وسياساته، لكن، في الحد الأدنى، لم يكن في خدمته.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا