نجا قانون تعزيز الضمانات الأساسية وحماية حقوق الدفاع، الصادر يوم ١٦ تشرين الاول ٢٠٢٠، من ضغوط الأجهزة الأمنية الرافضة للكف عن تعذيب الموقوفين. فقد نشر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القانون الذي أقرّه مجلس النواب نهاية أيلول الفائت، وبات يُمنع على الأجهزة الأمنية استجواب أي موقوف إلا بحضور محامٍ، على أن تكون التحقيقات مسجّلة بالصوت والصورة، تحت طائلة إبطال التحقيقات الأولية وحبس القائم بالتحقيق، إن لم يحترم الضمانات للموقوفين، ولو كان أحد قضاة النيابة العامة.ورغم أن القانون لا يمنح ضمانات شاملة للموقوفين، إلا أنه يخفف من قدرة المحققين على ممارسة التعذيب المعتمد «وسيلة رسمية» من قبل غالبية المحققين، وبعلم الجزء الأكبر من القضاة وموافقتهم، وأحياناً بطلب منهم. وتعارض الأجهزة الأمنية القانون، لأنه يحرمها الوسيلة التي تراها الأسهل والأمضى لانتزاع الاعترافات من الموقوفين، كذلك فإنه يجبرها على تطوير قدراتها التحقيقية، من الناحية التكنولوجية، كما من جهة مواردها البشرية. لكن «المدهش» أن عدداً كبيراً من القضاة يرى أن القانون سيعرقل عمل النيابات العامة وقضاة التحقيق، كما قضاء الحكم. فهذا القانون سيجعل أيَّ مدّع عام مسؤولاً فعلاً عن التحقيق، طبقاً لما تفرضه القوانين.

من اعتصام الحزب الشيوعي اللبناني - صور، أمس، احتجاجاً على التفاوض مع العدو على ترسيم الحدود البحرية (أ ف ب )

كما أنه سيوجب على القاضي تطوير قدراته التحقيقية أيضاً، أسوة بالأجهزة الأمنية، إذ لم تعد مخابرة المحقق للقاضي قابلة للانتهاء بعبارة «اقسوا عليه شوي»، بل بات القاضي ملزماً باجتراح أساليب جديدة للعمل، لحل الجرائم التي ينبغي أن يعمل المحققون وفقاً لإرشاداته أثناء التحقيق فيها. لهذه الأسباب، استنفر عدد من القضاة، وتحديداً أولئك الراغبين الاستمرار في «التنبلة»، والمتمسّكين بعدم بذل أي جهد في عملهم يفوق تلقّي اتصال هاتفي من القطعات الأمنية القائمة بالتحقيق. وبدأ القضاة المستنفرون بالتحريض للتوقيع على عريضة، لتقديمها إلى رئيس الجمهورية، والطلب إليه الطعن في القانون الجديد أمام المجلس الدستوري. وبحسب مصادر قضائية، فقد أبدى نحو 150 قاضياً موافقتهم على توقيع العريضة، علماً بأن أحد المدعين العامين الكبار زعم أمام زملائه أن عون سيطعن في القانون في حال تلقّى عريضة موقّعة من 100 قاضٍ على الأقل.
وفي إطار المداولات بالأسباب الموجبة للطعن (بعض هذه المداولات يجري على مجموعة خاصة بالقضاة على تطبيق «واتساب»)، يجري التداول بمعلومة تفيد بأن القانون موضوع الطعن خالف القوانين لجهة عدم استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى قبل صدوره، استناداً الى اجتهاد للمجلس الدستوري في قراره الرقم ٢٣ لعام ٢٠١٩، والذي أكد فيه وجوب استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى في التشريعات المتعلقة بالسلطة القضائية. لكن، وبحسب خبير قانوني، فإن «هذه الذريعة تسقط متى علمنا أن اقتراح القانون قد عرض بالفعل على مجلس القضاء الاعلى، لكن الأخير لم يتفاعل معه سلباً أو إيجاباً». رغم ذلك، يبدو بعض القضاة متحمّساً لإهدار ضمانات الموقوفين، وغالبيتهم من الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، في تكرار لفضيحة إعادة النظر في قانون أصول المحاكمات الجزائية قبل عشرين عاماً، حين فرضت الأجهزة الأمنية، بقوة السلطة السورية، تعديل القانون بما يناسبها.

هيل يدعم الحريري
على صعيد آخر، دخلَ لبنان، كما غيرِه من دول المنطقة، في الزمن الانتخابي الأميركي، الذي باتَ معه كل شيء يُحسب وفقَ مقياس صناديق الاقتراع في الولايات المُتحدة. وفي هذا الإطار، نقل زوار للعاصمة الاميركية عن وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، دعم بلاده لتولي سعد الحريري رئاسة الحكومة، وتفهّمها للاتصالات السياسية التي يجريها في إطار تأليف الحكومة. وقال هيل إن وزارته تعمل اليوم وفق سياسة المتابعة اللصيقة للملف اللبناني، لكن ليس هناك أحد آخر في الإدارة يهتم اليوم لما يجري في لبنان. وقال الزوار إن هيل قصد أنه يمكن للبنانيين استغلال فرصة انشغال بقية دوائر القرار الأميركي بالانتخابات لأجل القيام بعقد تسويات قابلة للعيش. وقال هؤلاء إن هيل كان حازماً حيال الملف المالي بقوله: «لا إطار للعمل خارج برنامج صندوق النقد الدولي».
قضاة ينظّمون عريضة للطعن في قانون تعزيز ضمانات الموقوفين الذي يخفّف التعذيب


محلياً، التسريبات الدائمة التي تخرُج من منزل الرئيس المكلّف في وادي أبو جميل، تشيع أجواءً تفاؤلية تستنِد، بحسب مطلعين، إلى جلساته مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وتقلّل المصادر من قدر هذه الأجواء، خاصّة أن العقدة الأساسية التي يجِب على الحريري تذليلها لا تُحلّ باللقاءات مع عون، بل مع رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل. لكن مصادر في التيار الوطني الحر تشير إلى أن «معضلة» حصة التيار يمكن تجاوزها عبر حصة رئيس الجمهورية، فيما تنفي مصادر في 8 آذار ذلك، مؤكدة أن عدم وقوف الحريري على رأي باسيل، سيعرقل تأليف الحكومة.
وتعتبِر مصادر سياسية بارزة أنه «بمعزل عن الاتفاق الضمني بين الحريري والثنائي الشيعي على التسهيل، وأهم ما فيه هو تسمية الوزراء الاختصاصيين»، فإن ما ستحمِله الأيام المقبلة سيكون كفيلاً بتظهير إذا ما كانت هناك عقد أخرى أو لا. ففيما يؤكّد الثنائي، تحديداً حزب الله، أن «الحريري حتى الآن لم يتواصل معه، وأن الحزب ينتظر نتائج المشاورات مع عون، والاتفاق مع باسيل»، يبقى أحد المؤشرات على الخلافات المكتومة هو ما نُقل عن رئيس الحزب الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط الذي «رفع الصرخة» يومَ أمس تعبيراً عن استيائه من لقاءات عون مع النائب طلال أرسلان ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب. فجنبلاط الموعود بحقيبتَي «الصحة» و«الشؤون الإجتماعية» يشتمّ من وراء هذه اللقاءات «محاولات لتقاسم الحصة الدرزية بينه وبين أرسلان»، بحسب مقرّبين منه، علماً بأن «أرسلان لا يحق له الحصول على حقيبة في حكومة عشرينية». وازداد توتر جنبلاط مع المعلومات التي تحدّثت عن إصرار الحريري على الحصول على وزارة الصحة!

جنبلاط مستاء من لقاء عون وأرسلان... والحريري يريد «الصحة»


وقبيل توجّه الحريري مساء أمس الى بعبدا حيث كانَ لقاءٌ أعلن القصر الجمهوري أنه «استكمال لدرس الملف الحكومي في أجواء من التقدم والتأنّي»، نقلَ مكتب رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه قوله إن «الحكومة العتيدة قد تبصر النور في غضون أربعة أو خمسة أيام إذا ما بقيت الأجواء إيجابية تسير على النحو القائم حالياً». اللقاء بين عون والحريري، الذي دامَ حوالى 45 دقيقة، لم تخرج عنه أي معلومة، إذ هناك إصرار على «إبقاء المداولات سرية»، كما تقول مصادر بعبدا التي اقتصر تأكيدها على أن «النقاش وصل الى مرحلة توزيع الحقائب». وأصدر الحريري مساءً بياناً نفى فيه كل ما يرد في الإعلام عن مشاورات تأليف الحكومة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا