يزور الرئيس المكلف مصطفى أديب قصر بعبدا اليوم، لكن من دون أن يحمل أي تشكيلة حكومية الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. فالمفاوضات بين أديب وسائر القوى السياسية، باستثناء تيار المستقبل، مجمدة حتى إشعار آخر. والعقد هي هي، من ناحية شكل الحكومة وعدد أعضائها أو الأطراف الممثلين فيها؛ إذ يصرّ أديب على تسمية كل الوزراء بنفسه من دون التشاور مع الكتل النيابية التي جاءت به رئيساً. وتلك أجندة حفّزه عليها نادي رؤساء الحكومات السابقين. يسعى هؤلاء اليوم الى تصفية حساباتهم مع حلفاء الأمس، وفي الوقت عينه الخروج بربح ولو معنوي ما دام الفيتو السعودي قد حال دون عودة سعد الحريري بنفسه إلى السراي. ثمة فرصة متاحة أمامه لمحاولة الفوز ببعض المكتسبات من وراء الستارة. لذلك عمد رئيس الحكومة المكلف الى التشاور مع حزب الله وحركة أمل خلال اجتماع سابق مع النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل، كذلك فعل مع النائب السابق وليد جنبلاط عبر أحد الوسطاء. وهو في تشاور دائم مع الحريري. المفارقة أنه يرفض لقاء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ويصرّ على تسمية الوزراء المسيحيين بنفسه، من دون العودة الى التيار. يتغاضى عن هذا الأمر بادعاء التشاور مع رئيس الجمهورية، ما أدى الى توقف المفاوضات جزئياً. ففعلياً، يحاول أديب، ومَن هم وراءه، تجاهل نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة والتصرّف كما لو أنها لم تحصل أو أنها لا تؤثر أو لا وزن لها في عملية تأليف الحكومة، رغم أن كتلة باسيل قامت بتسمية أديب، وستمنحه الثقة أو تحجبها عنه فور طرحه لتشكيلته. وحجب الثقة عنه يعني، في قاموس التركيبة الطائفية التي يتم من خلالها اختيار رئيس الحكومة والتشكيل والتوافق على أي تفصيل صغير في البلد، ضرب الميثاقية، لأن المكوّن المسيحي الرئيسي ليس ممثلاً فيها ولا أي طرف غيره من الأحزاب المسيحية، ما سيعيد عملية التأليف الى النقطة الصفر، اعترف أديب بذلك أو قرر السير باللعبة نفسها.مصادر التيار الوطني الحر تؤكد عدم تنسيق رئيس الحكومة المكلف مع الحزب منذ تكليفه، ولكنها تشير الى «التزامها تسهيل ولادة الحكومة ولو في ظل هذه الظروف. المهم أن يكون برنامجها متضمناً الإصلاحات المتفق عليها».
كل ما سبق يرجّح أن مشهد الجمود الذي يراوح مكانه منذ أسبوع، مستمر... إلا إذا استعاد الفرنسيون نشاطهم لإعطاء مبادرتهم دفعاً جديداً. وثمة إشارات توحي بأن ذلك ما حصل. فزيارة المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم لباريس ولقائه رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية الخارجية برنار إيميه، حققت خرقاً في طريق التأليف الوعرة. وعليه استأنفت الإليزيه جولة مشاوراتها مع القوى السياسية اللبنانية. ومن المتوقع أن يصل وفد فرنسي الى بيروت على رأس مهامه السير بمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى خواتيمها السعيدة وخلال مهلة قصيرة. في غضون ذلك، هناك من يتحدث عن نية أميركية دفينة بوضع العصي أمام التقدم الفرنسي، ولو أنها تسعى لإظهار العكس ببعض التصريحات بشأن الأهداف الواحدة بينها وبين باريس في لبنان. أول تجليات هذه العرقلة كان بزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر الى لبنان سريعاً بعد ماكرون وتحريضه بعض هيئات المجتمع المدني على إعادة إشعال الحرب مع الأحزاب السياسية، ولا سيما التيار الوطني الحر وحزب الله. ولما فشل هؤلاء في مهمتهم، انتقلت الولايات المتحدة الى الخطة ب، فاستعجلت إصدار عقوبات بحق المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة السابق يوسف فنيانوس، وهو إحدى حلقات الوصل الموثوقة بين الحريري وحزب الله.
قاسم: حزب الله يرفض أن تكون الحكومة المقبلة من المستقلين

حصل ذلك في اللحظة التي وُضع فيها موضوع مداورة الحقائب على طاولة البحث، قابله تمسك بري بالمالية لأنها تضمن «التوقيع الشيعي الثالث». فهل العقوبات معطوفة على العراقيل السياسية بمثابة صفعة للمبادرة الفرنسية؟ كلام نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يشي بذلك. فقد أكد الأخير في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم» أن «السياسية الأميركية تهدف الى إبقاء لبنان تحت الضغط»، مشيراً الى أنه «عندما وافق الاميركيون على المبادرة الفرنسية كان بهدف منع الانهيار. من غير المتوقع أن تتم الموافقة الاميركية على هذه المبادرة إذا تحولت الى مسار سياسي».
وبحسب قاسم، «قد نجد في لحظة ما أن المبادرة الفرنسية قد تعرقلت بسبب ضغط الولايات المتحدة»، معلناً رفض «حزب الله أن تكون الحكومة المقبلة من المستقلين». فقد سبق أن «تمت تجربة حكومة التكنوقراط، وتبيّن أنها بحاجة الى دعم سياسي لتقويتها. نحن مع حكومة تجمع أكبر قدر ممكن من القوى السياسية في لبنان، وأن تكون مطعّمة بالسياسة والتكنوقراط أو الاختصاص، لكن الشكل التفصيلي رهن بالحوارات القائمة مع رئيس الحكومة». من جهة أخرى، علّق قاسم على العقوبات الأميركية واضعاً إياها في إطار «الاعتداء الموصوف ومحاولة فاشلة لتركيع لبنان وتغيير المعادلة السياسية فيه. فعندما عجزت أميركا عن الاستفادة من العملاء لجأت الى سياسة العقوبات». وتوجه الى الأميركيين قائلاً إن «عليهم أن يعرفوا أن العقوبات على أي شخصية أو كيان في لبنان لن تغيّر من سياسة الشعب اللبناني بتحرير أرضه».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا