أواخر تموز الماضي، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الاسرائيلية تقريراً أعدّه مركز أبحاث «أملا» الاسرائيلي، يتضمن خريطة لـ28 موقعاً زعمت أنها تستخدم من قبل حزب الله كمنصات لإطلاق الصواريخ أو تخزينها. ووفق التقرير، «تتركز هذه المواقع بشكل رئيسي في المناطق السكنية لاستعمال المواطنين كدروع بشرية»، وإحداها في منطقة الفياضية بين مستشفى السان شارل ونادي الضباط. ليست هي المرة الأولى التي يحاول فيها العدو تأليب المواطنين على حزب الله عبر ادعاء تخزينه أسلحة وصواريخ بين منازلهم وتعريض حياتهم للخطر. سبق لرئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حاول تسويق الدعاية نفسها في العام 2018، وثمة من حاول الربط بين هذا الكلام وانفجار مرفأ بيروت من ناحية احتمال وجود مخازن أسلحة للحزب هناك. على أن كل هذه الادعاءات تدخل ضمن الحرب النفسية التي يشنّها العدو.عقب انفجار المرفأ، انساق البعض وراء كلام نتنياهو والتقرير الاسرائيلي. سبعة أعضاء في بلدية بعبدا - اللويزة، نشروا رسالة بعثوا بها إلى رئيس المجلس البلدي، طالبوه فيها بمخاطبة وزير الداخلية وقيادة الجيش، بشأن «مخاوف المجلس البلدي والأهالي من أي انفجار يقع في منطقة بعبدا، ولا سيما قرب مستشفى السان شارل، كما اشار اليه منذ نحو الشهرين رئيس وزارة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحافي علني». واعتبر الاعضاء السبعة أن كتابهم «ضرورة لرفع المسؤولية عن البلدية وتجنباً للضرر وحفاظاً على الأرواح والممتلكات في منطقتي بعبدا واللويزة».
انتشار الكتاب على نحو واسع، أثار ذعر الأهالي القاطنين في تلك المنطقة، فبدأوا بالتوافد الى مبنى البلدية، ومنهم من وصل الى حدّ ترك منزله. على الأثر، قامت مديرية المخابرات في الجيش بالاستماع الى أعضاء المجلس البلدي الموقّعين على الكتاب، لاستيضاحهم حول هذه المخاوف، بحسب ما جاء في بيان أصدره الجيش. وقد جاءت «جلسة الاستماع استناداً إلى إشارة قضائية من النيابة العامة التمييزية تقضي بالتحقيق في مضمون الكتاب المرفوع من أعضاء المجلس إلى رئيس البلدية الذي رفعه بدوره الى قيادة الجيش لإجراء المقتضى». وأشارت مديرية المخابرات الى «إجرائها كشفاً على المكان المذكور للمرة الثانية خلال هذا العام، ليتبين عدم صحة المزاعم والادعاءات التي تحدثت عن إمكانية وجود أسلحة وذخائر أثارت مخاوف المواطنين».
ولا بد من الإشارة إلى أن كلام أعضاء المجلس البلدي الموقّعين على الرسالة، يأتي في السياق الذي أتت فيه عظة البطريرك بشارة الراعي أول من أمس، حين طالب «بمبادرة الدولة اللبنانية لمداهمة كل مخابئ السلاح والمتفجرات ومخازنه المنتشرة بشكل غير شرعي بين الأحياء السكنية».
ما كاد الأعضاء المذكورون يخرجون من جلسة الاستماع حتى ألقوا بغضبهم على رئيس البلدية أنطوان الحلو، متّهمين إياه بالوشاية عليهم الى مديرية المخابرات. فوفق بعض الأعضاء، «انتشرت صورة لنتنياهو يدّعي فيها وجود مخازن للأسلحة في منطقتنا، ما أثار خوفنا من احتمال حدوث انفجار مماثل لانفجار المرفأ. رفعنا كتاباً الى رئيس البدلية نطلب فيه إحالته الى وزارة الداخلية وقيادة الجيش لفتح تحقيق في الأمر». لكن ما كان من الحلو إلا «اتهامنا بالتسويق لرواية العدو». بناءً على ما جرى، قرر 11 عضواً تقديم استقالاتهم من المجلس البلدي لا بسبب ما سبق فحسب، بل «لعدم اتفاقنا نحن ورئيس البلدية على أي موضوع، ولأن لا إنجازات تذكر منذ 4 سنوات الى اليوم». رغم إصرار الأعضاء الـ11 على استقالاتهم، لم يتسلم الحلو أي استقالات بعد.
ينقض الريّس كل رواية أعضاء مجلسه، ولا سيما اتهامه بالوشاية للجيش، لأن الأعضاء هم الذين طلبوا منه في الكتاب تبليغ الجيش. ويقول الحلو إن الأعضاء نشروا الكتاب على أحد المواقع قبل رفعه اليه بعد 4 أيام، ما يؤكد «نيتهم إثارة الذعر بين الأهالي، وقاموا ببناء حجتهم على كذب العدو الاسرائيلي رغم مسح الجيش اللبناني للمنطقة». ويشير الى أن أحداً لم يتقدم باستقالته، بل «تأتي هذه الشائعات في إطار الضغط السياسي حتى أتقدم باستقالتي ويسيطروا هم على المجلس البلدي. أطمئنهم إلى أنني لست في وارد الاستقالة ولن أتنحى سوى لتسليم البلدية الى محافظ جبل لبنان محمد مكاوي الذي أثق به» (في حال تقدم أكثر من نصف الأعضاء بالاستقالة يتم حلّ البلدية وتسلم الى المحافظ). إشارة هنا الى أن الأعضاء المعارضين للرئيس ينتمون بغالبيتهم الى حزبَي القوات والكتائب، وبعضهم محسوب عليهما، فيما الأعضاء الأربعة الباقون أقرب الى التيار الوطني الحر، بمن فيهم الحلو المحسوب على قوى 8 آذار.
أعضاء البلدية اتهموا الحلو بالوشاية عليهم الى الجيش اللبناني


هكذا، استفاقت الشرارة النائمة في البلدية من جديد، وعاد الخلاف السياسي بين قوى 8 و14 آذار. هذا الخلاف الذي كان قد بدأ عند إعداد رئيس البلدية للنظام التوجيهي في المنطقة ومنعه تكاثر البناء في منطقتي اليرزة والريحانية، نظراً الى شح المياه وتردّي البنى التحتية، وأيضاً للحفاظ على المناطق الخضراء. وتشير المصادر الى أن «المشكلة الرئيسية هي في منح الحلو تراخيص البناء والسكن للجميع من دون التفرقة بين الطوائف، وهو ما أثار غضب حزبي القوات والكتائب وبعض من التيار الوطني الحر، إذ يرغب هؤلاء في معادلة شبيهة بتلك المفروضة في بلدة الحدت بمنع المسلمين من السكن من منطلق الحفاظ على التوازن الطائفي». وعليه، يقاطع الأعضاء «الذين يهولون اليوم بالاستقالة، الجلسات البلدية منذ نحو سنة ونصف، فيضطر الرئيس الى الدعوة مرتين للاجتماع مرة بالنصاب العادي وأخرى بالثلث»، علماً بأن بعضهم طرح الثقة برئيس البلدية منذ نحو عام على خلفية الخلاف بين بلديتي بعبدا والحازمية بشأن الحدود، فوقف الأعضاء المحسوبون على القوات الى جانب رئيس بلدية الحازمية. وثمة من يقول إن هؤلاء أنفسهم يستعملون حجة «الوشاية» اليوم لمحاولة تطيير الرئيس مجدداً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا