على قاعدة «كان بدنا نعمل بس ما خلونا»، عقد رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع مؤتمره الصحافي أمس. الرجل الذي وعد «جماهيره» بـ«موقف كبير»، الإثنين الماضي، أطل أمس ليطلب من النواب المستقيلين العودة عن استقالاتهم: «كنا قاب قوسين من استقالات جماعية تضم نوابنا ونواب المستقبل والاشتراكي، لكنهما ارتأيا التريّث بعد استقالة الحكومة». أكثر من ذلك، ذهب عرّاب الدعوة الى الاستقالة الى حدّ إرسال النائب بيار بو عاصي والوزير السابق ملحم رياشي لزيارة النائب سامي الجميّل، في بكفيا، لإقناعه بالعودة عن استقالته (!) والعمل معاً على اقتراح قانون لتقصير ولاية المجلس، وهو ما رفضه النائب الكتابي المستقيل، بحسب المصادر.هكذا، وقع جعجع مرة جديدة ضحية حلفائه الذين يتخلون عنه عند كل محطة. فوفق المصادر القواتية، «اتخذ قرار استقالة الأحزاب الثلاثة الإثنين الماضي، وجرى التريث الى حين الاتفاق على طريقة الاعلان وتوقيته». لكن استقالة الحكومة ودخول رئيس مجلس النواب نبيه بري على خط إنقاذ مجلسه، أسهما في ترك جعجع يتخبّط وحيداً. بين جعجع وبري، حسم كل من سعد الحريري ووليد جنبلاط خيارهما مع رئيس المجلس من دون تردد. تاريخ رئيس حزب القوات حافل، في هذا السياق، بإطلاق الوعود ورفع سقف الطموحات بما لا يتناسب مع الواقع. آخر الخيبات، كانت خلال تأليف حكومة سعد الحريري الأخيرة. يومها تمسكت معراب بحصة وزارية من 5 وزارت بينها واحدة سيادية، قبل أن يسقط الحكيم «فيتواته»، واحداً بعد الآخر، ويقبل بثلاثة وزراء بلا حقيبة سيادية ومنصب نائب رئيس الحكومة الشرفي.
بدت القوات اللبنانية، أمس، في أضعف لحظاتها السياسية والشعبية منذ 17 تشرين. كان الخيار، على ما تقول المصادر، بين الاستقالة والجلوس في البيت، وذلك مستحيل «فنحن حزب سياسي»، وبين «النزول الى الشارع لإسقاط السلطة والمخاطر التي يمكن أن تنتج عن قرار مماثل. في ظل كل ما يحصل حالياً اخترنا البقاء ضمن المؤسسات طالما استقالتنا لا تحقق شيئا ولا تؤدي الى انتخابات مبكرة». أما «صدمة القواتيين فتنمّ عن غضب مبرر»، تضيف المصادر، «لكنهم اقتنعوا بوجهة نظر الحكيم بأنها غير مفيدة وتسهم في اهداء الفريق الآخر البرلمان مجاناً ليعبث به كما يريد». رغم ذلك، ساد استياء كبير منطقة الأشرفية وتخبط بين المناصرين في الذوق. ثمة من هدّد بتقديم استقالته من الحزب، ويشير البعض الى عمل معراب على تهدئة الوضع بين «الشباب». لكن إحراج المجموعة المحسوبة على القوات والتي تشارك في تحركات الناشطين منذ أشهر، خصوصاً في منطقتي الذوق وجلّ الديب، كان أكبر من أن يخمد مساء أمس، ولا سيما أن بعض الشباب آثروا التعرّض بالضرب سابقاً للمنتفضين الصارخين «كلن يعني كلن»، ولمن قرر المرور بمنزل النائب بيار بو عاصي في الجولة التي تُنفذ على منازل كل النواب. حجتهم في ذلك كانت أن جعجع ونوابه ووزراءه مختلفون عن البقية ولا يساومون... الى أن خذلهم قائدهم.
أطل جعجع مربكاً وعاجزاً عن الخروج من المنظومة السياسية

لم يقف عند هذا الحدّ، بل اعتبر خلال المؤتمر أن «الثورة الشعبية بكل ما للكلمة من معنى لا توجد في لبنان لأنها ستودي بنا إلى حرب أهلية». ماذا سيفعل «ثوار» الذوق وجلّ الديب في أي تحرك مقبل اذاً؟ هل يخلعون البزة الزيتية ويعلنون انضمامهم حقيقة الى صفوف الشعب أم يلتصقون أكثر فأكثر بخيارات زعيمهم ويجدون لها مبرراً على شاكلة كل جماهير الأحزاب السياسية؟ ثمة من بدأ أمس يجد مخرجاً لائقاً لـ«القائد»، مقنعاً نفسَهُ بأن التغيير يأتي من الداخل. وفي هذه الحالة، لماذا تعتصمون في الشارع؟ «ضربة» أخرى وجهها جعجع الى «الثوار» المؤمنين به، بإعلانه تمسكه بالقانون الانتخابي الحالي من منطلق أن الرأي العام هو الذي يغير وليس القانون. الجملة تلك تحمل «استغباءً» للقاعدة القواتية قبل غيرها. لكن جعجع الذي يسوّق لانفتاحه في مقابل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يرفض قانون انتخابات يعتمد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية ومن خارج القيد الطائفي لعلمه المسبق بأن الطائفية احد أبرز أسباب وجوده، وأن أي قانون نسبي لاطائفي هو بمثابة دفن لتمثيله.
أطل جعجع البارحة، مربكاً وعاجزاً عن الخروج من المنظومة السياسية. هو يدرك جيداً أن لا مكان له في المعارضة ولا في الشارع، فاختار البقاء في مركب السلطة، والالتحاق بقرار تيار المستقبل والحزب الاشتراكي اللذين يشكلان جزءاً لا يتجزأ من الفساد المستشري في البلد. فعلى مرّ السنين، فشلت القوات في بناء اطار قوي لتمثيلها السياسي وفرض نفسها كقوة رئيسية يصعب تخطيها. لذلك يستعملها حلفاؤها عند الضرورة لرفع سقف مطالبهم، ثم يساومون عليها عند نضوج الـ«ديل». وفي كل مرة، ينساق جعجع الى الفخ نفسه، وذلك ان دلّ على شيء، فعلى غياب الاستراتيجية الذكية. أبرز مثال على ذلك، الحلّ الذي طرحه للخروج من الأزمة الاقتصادية: «تبنّي كل عائلة مغتربة لعائلة لبنانية مقابل 200 دولار شهريا»!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا