أمس، استنفدت غالبية المُستشفيات مخزونها من المُستلزمات والمعدات الطبية ما يُنذر بتفاقم الأزمة الصحية والاستشفائية المستفحلة أساساً. وقد «شاءت» النكبة أن يُتلِف الانفجار - الكارثة مخزوناً كبيراً من المُستلزمات والمعدّات الطبية كانت مركونة في المرفأ، بعدما طال انتظارها بفعل الأزمة الاقتصادية التي أثّرت على آلية استيرادها.وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة قال لـ«الأخبار» إن «الصدمة الصحية على صعيد المُصابين والجرحى استوعبت. إلاّ أنّ التحدي في الأيام المُقبلة هو في القدرة على تأمين العلاجات المطلوبة لهؤلاء، والتي سيكون بعضها طويل الأمد». ولفت إلى نفاد معظم مخزون المُستشفيات من المعدات والمستلزمات «ككبسات البنج ولقاحات الكزاز وغيرها»، علماً بأن استيعاب «الصدمة الأولى» كان نتيجة إجراءات استثنائية، تمثّلت في إجلاء الحالات الباردة من المُستشفيات لإفساح المجال أمام الحالات الطارئة، و«توزيع» الجرحى على مُستشفيات المناطق بعدما غصّت مُستشفيات العاصمة بالمئات منهم.
استنزاف الموارد لا يقتصر على المُستلزمات والمعدات الطبية التي تشمل أجهزة الأوكسيجين وأعمدة المصل والأسرّة والمحلول الكحولي والمُطهّرات وضمادات الجرح والشاش المعقّم والخيطان والجفصين وغيرها، بل تشمل أيضاً أصنافاً من الأدوية المهددة بالانقطاع بفعل ازدياد الطلب عليها.
لم يُعرف بعد إذا ما كانت المُساعدات ستشمل أدوية الأمراض المُستعصية أو لا


ورغم أن التقديرات أمس أشارت إلى سقوط نحو أربعة آلاف جريح، رجّحت مصادر طبية أن عدد الجرحى لامس الثمانية آلاف، ما يعني الحاجة الى مزيد من المعدات والأدوية والتجهيزات، وبالتالي فإنّ «صلاحية» الاستيعاب لن تدوم طويلاً. وفيما تُعوّل السلطات على المُساعدات الطبية والهبات الدولية لسدّ النقص الحاصل، تبرز معضلة طبيعة هذه المُساعدات «التي قد لا نكون بحاجة اليها»، بحسب خليفة، لافتاً إلى أهمية أن تضع وزارة الصحة ونقابة المُستشفيات لائحة بالنواقص وإرسالها الى الجهات المانحة، «منعاً لتكرار سيناريوات المُساعدات غير المفيدة كما حصل في عدوان تموز 2006 مثلاً، عندما لم يُستخدم نحو 90% من المساعدات». كما نبّهت مصادر معنية بقطاع المُستلزمات الصحية أيضاً الى أنه «في العادة»، سرعان ما يُصبح مصير المعدات التي تقدم كهبات «مجهولاً»، إذ تُسرق غالبيتها، ولا يصل إلى المحتاجين إلا الفُتات، ما يطرح نقاشاً حول الجهة التي ستتولى إدارة هذا الملف. وعلى خلفية هذا الأمر، اعترض وزير الصحة حمد حسن على استبعاد وزارة الصحة عن عملية تسلّم المعدات والمُساعدات الطبية، لكونها «الجهة المعنية بشكل مُباشر... ونحن لسنا ضد الإدارة المُشتركة للهبات». وكانت الحكومة أعلنت، أمس، حالة طوارئ صحية لمدة أسبوعين، وإخضاع المُستشفيات والمرافق العامة والخاصة لسلطة الجيش اللبناني.
إلى ذلك، لم يُعرف حتى الآن إذا ما كانت المُساعدات ستشمل أدوية الأمراض المُستعصية، بعد تعرّض مركز توزيع الدواء في الكرنتينا لأضرار فادحة، علماً بأن تأمين هذا النوع من الأدوية المعقدة (خصوصاً أدوية التصلب اللويحي والسرطان) تحتاج إلى آلية معقدة، وطلبها سيتطلب وقتاً إضافياً ما لم تتواصل وزارة الصحة مع دول لتأمينها من مستودعاتها وليس عبر الوكلاء.
في ظل هذا الواقع الصحي العصيب، يغدو النقاش المتعلّق بوباء كورونا «ترفاً» بالنسبة الى وزارة الصحة المنشغلة بتأمين مستشفيات وتجهيزات للجرحى، وبإجراء فحوصات الحمض النووي لعدد كبير من الضحايا المجهولي الهوية، وكذلك للطواقم الطبية المشغولة بلملمة الجرحى وتعداد الشهداء. وقد ألغى وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي فترة الإقفال التام الذي كان مقرراً اليوم لغاية العاشر من الشهر الجاري.
وبعدما حال الانفجار، أول من أمس، دون إصدار وزارة الصحة تقريراً بعدد الاصابات، أصدرت الوزارة ليل أمس تقريراً تضمن أرقام الإصابات التي سجلت في اليومين الماضيين/ والتي بلغ مجموعها 355 إصابة (209 الثلاثاء و146 أمس)، فيما سجلت ثلاث وفيات خلال الساعات الـ 48 الماضية، ووصل عدد المصابين المقيمين في المستشفيات إلى 162، (منهم 41 في العناية الفائقة). وفي السياق نفسه، أوضح أحد الأطباء الميدانيين لـ«الأخبار» أنّ طبيعة العمل الطبي الميداني الذي أعقب الانفجار فرضت اكتظاظاً وإجراءات لم تراع التدابير التي يفرضها الفيروس، «ولكننا لا نملك في الوقت الراهن خياراً».