على وقع الانهيار الاقتصادي، لا يبدو لبنان محيّداً عن الأعمال الأمنية والإرهابية، ونشاط الجماعات التكفيرية التي تدعهما وتستغلها دول عديدة في الإقليم. وكما العادة، فإن الشمال مسرحٌ دائم للأحداث، لا بل «بارومتر» يؤشّر إلى الوجهة الأمنية المقبلة في البلاد، مع ازدياد حالة الفوضى والجوع والفقر الذي يتعاظم في عاصمة الشمال، طرابلس.ليل السبت - الأحد الماضي، أوقف الجيش السوري على حاجز لقواته في بلدة شنشار في منطقة حمص، شاحنة صغيرة محمّلة بمئات المسدسات وعشرة قاذفات «ب 7»، كانت وجهتها طرابلس اللبنانية، آتية من الشرق السوري. وفي ذات الليلة، قامت استخبارات الجيش اللبناني بتوقيف تاجر سلاح في بلدة حوش السّيد علي (الهرمل). وبحسب مصادر متابعة في البقاع الشمالي، فإن الحادثين مترابطان، لكون الشحنة التي أوقفتها القوات السورية كان من المفترض أن تصل للتاجر الموقوف لدى استخبارات الجيش، الذي كان سيوصلها إلى مدينة طرابلس. وهي ليست المرّة الأولى التي يوقف فيها الجيش السوري شحنات أسلحة وجهتها طرابلس.
ويوم الأحد، أوقفت استخبارات الجيش في الهرمل أيضاً، بكمين على أحد مفارق الطرق الرئيسية، ثلاثة سوريين، كانوا يستعدّون للوصول إلى طرابلس، آتين من إدلب. وبحسب التحقيق الأوّلي، سبق لهم أن خضعوا لتدريبات أشرف عليها ضبّاط أتراك في إدلب، من دون أن يؤكّدوا قدومهم لأسباب أمنية. وبحسب مصادر أمنية لبنانية، فإنّها المرّة الثالثة، خلال فترة قصيرة، التي يوقف فيها الجيش متسلّلين آتين إلى طرابلس من إدلب. وكان سبق للجيش اللبناني أن أوقف قبل أربعة أشهر سيارة «رابيد» تحمل حوالى 20 قذيفة «ب 7» في مدينة طرابلس، من دون أن يكشف الجيش عن تفاصيل.
ولم يتّضح لدى أي من الأجهزة الأمنية وجود مخططات واضحة من قبل جماعات تكفيرية للتحرّك في طرابلس، إضافة إلى تراجع استخدام الخطاب التحريضي الطائفي، في ظل خفوت قدرة هذا الخطاب على التجييش، إذ يجري بدل ذلك توجيه الخطاب ضد الجيش اللبناني.
وعلى الرغم من الإجراءات التي يقوم بها فوجا الحدود الأول والثاني على الحدود السورية في الشمال والبقاع الشمالي من جهة، والفرقة 11 والفرقة الرابعة والهجانة السورية من الجهة المقابلة، لوقف أي عمليات تهريب، للبضائع أو الأفراد، فإن محاولات تسلّل الأفراد نحو طرابلس تزداد في الأشهر الأخيرة، مع ارتفاع الضغط العسكري على المسلّحين في إدلب.
ولا يظهر أن بين الجيشين اللبناني والسوري تنسيقاً كافياً لتحقيق نتائج في ضبط الحدود وحماية الأمن في البلدين من خطر تنقّل الجماعات المسلّحة، إذ إن هذا التنسيق لا يرتقي إلى «الحدّ الأدنى» من القدرة العملانية اللازمة للتعاون بين جيشي أي بلدين جارين، فكيف بين لبنان وسوريا، حيث تتماهى الجغرافيا والديموغرافيا والظروف الاقتصادية والسياسية.