فجأة استيقظت الفتنة النائمة!هذا ليس صحيحاً، إذ لم تكن أحداث فوضى ليل السبت مفاجئة للأجهزة الأمنية. فقد صدقت توقّعات مخبريها بأنّ اشتباكات متنقلة ستقع. فالتعبئة الطائفية كانت قد بلغت حدّاً غير مسبوق مع رفع مجموعات مشبوهة شعاراً ملغوماً لتظاهرة السبت: نزع سلاح المقاومة. ورغم محاولات بعض مجموعات حراك ١٧ تشرين إعادة توجيه الشعارات نحو الشعارات المطلبية، وإعلان عدد كبير منها الانسحاب، إلا أنّ التوتّر كان قد بلغَ أشُدّه. الشعارات المرفوعة استفزّت مناصري حركة أمل وحزب الله. بدأ ذلك افتراضياً على وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات تنشط على تطبيق واتساب. ثم بدأت التعبئة استعداداً للمواجهة، إلا أنّ القرار لدى قيادتي الحزب والحركة كان التطويق لمنع أي صدام. نُسِّق ذلك مع استخبارات الجيش لضبط الشارع للحؤول دون الاصطدام بين الشارعين. أقفل الجيش مداخل ضاحية بيروت الجنوبية منذ الساعة الثانية من بعد الظهر لمنع خروج المجموعات للحؤول دون أي صدام. كذلك عمدت حركة أمل إلى إقفال مسربين يوصلان خندق الغميق إلى جسر الرينغ ومنع التجمعات، وسط استقدام تعزيزات من فوج المغاوير. كان القرار بمنعهم من الوصول إلى ساحة الشهداء. في هذه الأثناء، نشطت مجموعات على واتساب لتنسق التحرك باسم شباب الضاحية.
كما أن الاجراء المتخذ لم يحُل دون وصول عشرات الدراجات النارية إلى نقطة تبعُد رمية حجر عن مئات المتظاهرين الذين لم يجتمعوا على شعارٍ واحد. فمن أشعل الشرارة الأولى للفتنة؟
رواية الأجهزة الأمنية لأحداث السبت تنطلق من نشرِ خبرٍ وسط بعض المتظاهرين عن أنّ مجموعة من أهل الخندق الغميق اختطفت متظاهراً. هذا الخبر دفع بنحو مئة متظاهر إلى التوجه فجأة من ساحة الشهداء باتجاه جسر الرينغ، لكن القوى الأمنية منعت وصولهم إلى مقربة من الخندق. معظم هؤلاء كان من أنصار حرّاس المدينة، الائتلاف الذي يضم شباناً طرابلسيين، بينهم أنصار الوزير السابق أشرف ريفي. وكان بينهم مجموعات تتبع للناشط ربيع الزين الذين كان غائباً لكونه موقوفاً، إلا أنّ ملائكته كانت حاضرة. شتم هؤلاء رئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته رندة بري، ثم بدأوا برشق الحجارة. وهنا يحضر مشهد مصور لتوقيف شخصين من المتظاهرين. الأول أوقفته قوى الأمن والثاني أوقفه الجيش، إلا ان المتظاهرين تمكنوا من تحريرهما. لكن نجح الطوق الأمني في الفصل بين الشارعين مئات الأمتار. لم تُسمع شعارات هؤلاء جيداً في الشارع المقابل. تسلم الجيش واستخباراته ناحية شباب الخندق، فيما تولت قوى الأمن جانب المتظاهرين، وسط قرار واضح من وزارة الداخلية بالفصل. غير أن الفيديوات التي كانت تُنشر على تطبيق واتساب ومواقع التواصل الاجتماعي فعلت فعلها. بعض الموجودين في الجهة المقابلة شتموا السيدة عائشة زوجة النبي محمد. سُجِّل ذلك وعُمِّم. تقول رواية قوى الأمن إن النقل المباشر لقناة «أم تي في» أظهر الهتافات على الشاشة، فاحتدم التوتر مجدداً، من دون أن يحصل التماس بين الفريقين.
رواية القوى الأمنية: انتشرت شائعة بين متظاهرين عن خطف زميل لهم إلى الخندق!


ورغم ذلك، كان الأمر في «الميدان» لمجموعات الرعاع الذين شتموا زوجة النبي محمد بالقرب من ساحة الشهداء، ثم توجهوا من دون أي سبب إلى عين الرمانة، في ظل انتشار معلومات عن توجيههم الشتائم للصليب. ترافق ذلك مع خروج أصوات من مجموعات مشبوهة في الشارع المقابل. شُتم أهل الضاحية ورموز كالإمام موسى الصدر.
عادت المجموعة التي لم تتمكن من الوصول إلى المتظاهرين وهي ترفع هتافات مؤيدة لحزب الله وحركة أمل باتجاه الضاحية، ثمّ انحرفت صوب عين الرمانة لتُشعل المواجهة بين الشارعين. يؤكد شبان من منطقة الشياح أن سائقي الدراجات النارية ليسوا من الشياح. في هذه النقطة، تفيد رواية استخبارات الجيش بأن موكب الدراجات النارية في الطريق بدأ بشتم رئيس حزب القوات سمير جعجع وحزب الكتائب ومقدسات دينية. فتعرض لرشق من مجموعة شبان كانوا في عين الرمانة. عندها ركن هؤلاء دراجاتهم وهجموا باتجاه عين الرمانة. وتضيف رواية الجيش سماع طلقات نارية مصدرها عين الرمانة، فتدخّل الجيش للفصل بين الشارعين. أما رواية قوى الأمن فتقول روايتها إنّ عنصراً من البلدية في عين الرمانة أطلق النار في الهواء، ثم عمد عناصر الجيش إلى إطلاق أعيرة نارية لردع المهاجمين والفصل بينهم وبين شبان من عين الرمانة. هكذا صُبّ الزيت على النار مرتين. وفي هذه الاثناء، كان التوتر ينتقل الى الطريق الفاصل بي بربور وطريق الجديدة، واندلعت اشتباكات مسلحة، على خلفية ما جرى في ساحة الشهداء.
كان المتظاهرون قد تفرّقوا قبل ساعات، لكن تداعيات الفيديو المتداول لشتم زوجة النبي زاد الاحتقان. اجتمعت مجموعات من الطريق الجديدة، تقول قوى الأمن إنها تتبع لبهاء الحريري، عبر عيسى كريمبي ومجموعته، فيما يؤكد المحامي نبيل الحلبي أنّ هؤلاء يتبعون لتيار المستقبل على اعتبار أنّ قراره عدم المشاركة في الفتنة. هذه المجموعة بدأت بشتم بري وزوجته والسيد موسى الصدر والسيد حسن نصر الله.
ولهذا الفصل روايات أيضاً. واحدة تقول إن طلقاً نارياً من مسدس غلوك أُطلق باتجاه بربور، فردّ مسلحون مناصرون لحركة أمل، ليبدأ إطلاق نار كثيف. والرواية الثانية تقول إن شتم الإمام الصدر أثار غضباً كبيراً في بربور، فعمد مسلحون من المنطقة إلى إطلاق النار بكثافة باتجاه طريق الجديدة.
نام أهالي مناطق الاشتباكات على دويّ الرصاص ووقع أخبار التوتر التي تتناقل عبر مجموعات الواتساب لتحكي عن فتنة الحرب والفوضى الأهلية، لكن بيروت استيقظت كأنّ شيئاً لم يكن. وحدهما عين الرمانة والشياح كانتا تغليان. انتشرت الشائعات من جديد، مثل أن مجموعة في عين الرمانة أجبرت مواطنين مسلمين على إقفال محالهم وتهديدهم بطردهم من المنطقة، وسط استنفار شبان المنطقة قرب محمصة صنين. وعلى بعد عشرات الأمتار ترقب شبان من منطقة الشياح. وحدها الأجهزة الأمنية كانت شاهد زور؛ أعلن بيان لمديرية التوجيه في الجيش عن توقيف أربعة أشخاص أجانب، سودانيين وسوري وفلسطيني، كانوا بين المتظاهرين. لكن ماذا عن الرعاع الذين أخرجوا من البلاد أقبح ما فيها؟