منذ تجمهر بضعة أشخاص أمام قصر العدل، الأسبوع الماضي، ورفعهم شعار «لا للدويلة داخل الدولة، ولا للسلاح غير الشرعي»، والإعلام الخليجي، وتحديداً السعودي، يحشد يومياً لبروباغندا استخدمت التضخيم والمبالغة سبيلاً في التغطية. فقد وجدت «العربية» مساراً سالكاً للتسلل عبر تلك التظاهرة اليتيمة لتبني عليها سردية لا تمتّ إلى الواقع بصلة. سردية تفيد بأن هؤلاء سيشكلون «الشرارة الشعبية» التي ستطالب بنزع سلاح «حزب الله»، مع الإشارة إلى «تململ بيئة الحزب» من الأوضاع الاقتصادية السائدة وبدء حركة التمرّد من هناك. أول من أمس، ومع تخلل التظاهرة التي دعت إليها قوى سياسية وشعبية مختلفة شعار نزع سلاح المقاومة، استمر هذا الإعلام في تلفيق الأكاذيب ومجافاة الواقع الذي رصدته الكاميرات بحضور هزيل للمتظاهرين. هكذا، ركّزت الشبكة السعودية على شعار تطبيق القرار 1595، ووصفت التظاهرة التي وصلت إلى عشرات المحتجين بأنها «ضخمة»، وقالت إنّها تخرج «للمرة الأولى للمطالبة بنزع سلاح حزب الله». هكذا، تصدّر شاشتها أول من أمس عنوان: «تظاهرات ضخمة في بيروت تطالب بنزع سلاح حزب الله للمرة الأولى»، فيما كانت الشاشات المحلية تظهر بصورها الجوية والأرضية أن حجم المتظاهرين ضئيل جداً. لعلّ أبرز ما حضر في تغطية الإعلام السعودي إصراره على تغييب باقي الأطراف التي تصادمت أول من أمس في شوارع بيروت، واتهامه «مناصري حزب الله وحركة أمل بأنهم جابوا شوارع بيروت وأطلقوا شعارات طائفية»، إلى جانب ربطه ما حدث أول من أمس بأحداث السابع من أيار (مايو) من عام 2008. أضف إلى ذلك أنّه نشر صوراً لأمين عام «حزب الله» تُداس بالأقدام ضمن مقال على موقع القناة الإلكتروني بعنوان: «توّتر في بيروت... غاضبون يحرقون صور حزب الله». كذلك، تبنّت «العربية» الفيديو الأرشيفي الذي روّجت له mtv، ويظهر شباناً ينزعون صوراً لسعد ورفيق الحريري، ويهتفون بأنّ «بيروت شيعية» من دون التدقيق في صدقية الفيديو وتاريخه. هذه الأجواء التحريضية حضرت بقوة على الشاشة السعودية التي اقتنصت الفرصة لبثّ مزيد من الأكاذيب والدعاية الممزوجة بأدوات الفتنة المتنقلة.
من ناحيتها، حرصت «الجزيرة» القطرية على توصيف ما حدث أول من أمس من اشتباكات من دون تبنّي أيّ رواية. كما أنّها لم تولِه أهميةً، إذ أنّ ملفات أخرى استحوذت على اهتمامها كتغطيتها الحدث الليبي والإضاءة على الشأنين المالي والنقدي اللبناني. وفي صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية كانت هناك إطلالة سريعة في رئيسيتها على أحداث الشارع الملتهبة في بيروت، مع اعتبار أن «الاحتجاجات اصطدمت بعقدة السلاح»، في تصوير بأن فشل تظاهرات أول من أمس سببها سلاح المقاومة! وكما في الإعلام السعودي، كذلك على الشاشة الإماراتية «سكاي نيوز عربية» التي غيّبت باقي الأطراف التي تصارعت في الميادين اللبنانية واتّهمت «مناصري حزب الله بمهاجمة المحتجين في ساحة الشهداء»، وأرفقت الأخبار بسلسلة فيديوات تظهر الاشتباكات التي حصلت ليل السبت الفائت. في الخلاصة، دخل الإعلام السعودي بقوة على تظاهرات وصدامات يوم السبت الماضي، لينتقي أحد شعاراتها المتعلقة بسلاح المقاومة، ويتخذ منه منصة لبث الأكاذيب ومجافاة الواقع اللبناني الذي ظهّر أن العديد من المجموعات نأت بنفسها عن الدخول في هذا المعترك، مقابل التركيز على المطالب المعيشية. مع ذلك، كان هنالك إصرار من قِبل هذا الإعلام على تشويه الحقائق وبناء سردية تربط الأوضاع الاجتماعية بسلاح «حزب الله»، وتتحدث عن تململ حاصل في بيئته!