أقرّ رئيس العمليات النقدية في المصرف المركزي، مازن حمدان، بالقيام ببيع ملايين الدولارات وشرائها لمصلحة صرّافين، مرخّصين وغير مرخّصين، وأنه بمعاونة الموظف السابق في المصرف وسام سويدان كان يجري بيع الدولارات من دون إيصالات. صرّح حمدان أمام المحققين بأنّه فعل ذلك بطلب وموافقة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي نفى للقاضي علي إبراهيم ادّعاءات حمدان، مؤكداً عدم علمه. هذا التناقض مرّ مرور الكرام على القضاء الذي يجهد للدفاع عن سلامة. إبراهيم الذي يتقاضى راتباً يبلغ 10 ملايين ليرة بدل عمله في هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها سلامة، لم يكتف بصرف النظر عن التحقيق مع الحاكم، بل شارك في صياغة بيان الهيئة للدفاع عن مصرف لبنان. أكّد البيان شراء المصرف المركزي وبيعه الدولار للصرافين، لكنه زعم أنّ مجموع عمليات بيع الدولار مقابل الليرة اللبنانية بلغ اثني عشر مليوناً وسبعمئة وخمسة آلاف دولار، ومجموع شراء الدولارات بلغ أحد عشر مليوناً وثلاثمئة ألف دولار أميركي. وبالرغم من الخلاصة التي تشير إلى أنّ «المبالغ المذكورة هي لفترة شهر وليست بأحجام التقلّبات التي شهدتها أسعار القطع خلال هذه الفترة»، فقد كان جلياً أن البيان لم يستطع أن يبرّئ حمدان، بل اكتفى بالتخفيف من وطأة اعترافاته، بعد تأكيدها. هذا الدفاع المموّه ترافق مع تسريب في وسائل الإعلام، نشرته قناة «الجديد»، يشير إلى أنّ هيئة التحقيق الخاصة قدّمت المستندات التي أثبتت أن حمدان لم يكن يتلاعب بالدولار، أو ينفّذ عملية مضاربة أدت إلى رفع السعر أو إلى تهريب الأموال إلى سوريا. كما أشارت التسريبات إلى وعد من المدعي العام المالي علي إبراهيم بإحالة حمدان، اليوم، إلى قاضي التحقيق، ليخلى سبيله يوم غد على أبعد تقدير! غير أنّ هذا كله لم ينف واقعة بيع الدولار وشرائه من دون إيصالات، وإلا لما كان الرجل موقوفاً أصلاً.
القاضي علي إبراهيم يعد بإطلاق سراح حمدان بعد إحالته على قاضي التحقيق اليوم

لو كان حمدان بائعاً في دكان لكان قد لجأ إلى تدوين المدفوعات والمقبوضات، لكن مدير العمليات النقدية يعمل في مصرفٍ، أموالُ الشعب سائبة فيه ولا أحد يسأل عنها. وفي هذا السياق، تكشف معلومات خاصة لـ«الأخبار» أن موظفين في مصرف لبنان كانوا يدخلون إلى المصرف أيام السبت والأحد، وكانوا يُخرجون أموالاً بقصد «تصريفها». وتشير المعلومات إلى أنّ هذه الأموال لم تكن تُسجّل في القيود وقت إخراجها، بحجة تسجيلها لاحقاً. كانت أموال الشعب سائبة ومستباحة. وعليه، يجب الاطلاع على تسجيلات كاميرات المراقبة والتحقيق مع هؤلاء الموظفين لتحديد كيفية إخراجهم الأموال، ولماذا لم تكن تُسجّل في القيود في اليوم نفسه؟ وما الذي يؤكد أنها إذا سُجِّلت في وقت لاحق، سيكون تسجيلاً دقيقاً/ في ظل الفوضى السائدة في المصرف.
ليس هذا فحسب، ففيما كان موظفو مصرف لبنان يستعدّون للإضراب احتجاجاً على توقيف موظفَين اثنين في التحقيقات الجارية، كشفت مصادر من داخل المصرف المركزي لـ«الأخبار» أن بعض الموظفين كان لديهم تسهيلات للحصول على دولارات من داخل المصرف، وفق سعر الصرف 1515 ليرة. وفيما كان اللبنانيون يُذلّون على أبواب المصارف لسحب ١٠٠ دولار، كان هؤلاء الموظفون يحوّلون ودائع من يشاؤون من الليرة إلى الدولار، ثم يقبضون بعضها نقداً.
بقرار من القاضي علي إبراهيم، سُحِب ملف التحقيق بشأن دور مصرف لبنان بالتلاعب بسعر العملة، من أيدي الضابط الذي كان يُشرف على التحقيقات مع الصرافين والذي توصّل إلى أدلة واعترافات أُوقف بموجبها نقيب الصرّافين محمود مراد ومدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان ووسام سويدان. وبات الملف كاملاً بيد النيابة العامة المالية. وعلمت «الأخبار» أن عدداً من الموظفين، المرتبطين بمازن حمدان ومسؤول قسم المحاسبة في مديرية العمليات النقدية، سيُستدعون إلى التحقيق في النيابة العامة المالية. لكن، من غير المتوقّع أن يتجاوز إطار التحقيق معهم سقف «عدم المسّ برياض سلامة».