لم تكد بلديّة بيروت تنتهي من المناقصة غير القانونية التي أجرتها بغية توزيع 20 ألف حصة غذائية على ناخبي بيروت، حتى بدأت الفضائح تظهر تباعاً. المناقصة المفترضة لمساعدة «المحتاجين» يبدو كأنها ليست إلا غطاءً لإمرار مزيد من الصفقات على حساب المال العام، ومال دافعي الضرائب من سكان العاصمة الذين ترفض البلدية أن تشملهم المساعدات.أمس، أرسلت شركة «مكية أنترناشينول غروب» كتاباً الى البلدية وإلى محافظ بيروت زياد شبيب، تبيّن فيه أنها فازت بالمناقصة كصاحبة أدنى عرض (مليار و199 مليون ليرة)، وتعلن فيه سحب عرضها وانسحابها من المناقصة. الشركة، في حيثيّات قرارها، أشارت الى تأجيل فضّ العروض ثلاث مرات متتالية بسبب «عدم تأمين المستندات القانونية المطلوبة لأغلبية الشركات». ففي 18/2/2020 حضرت 3 شركات فقط المناقصة، وفازت «شركة مكية» بالعرض الأدنى، إلا أنه «لم يتمّ الاتصال بالشركة المستدعية لإجراء ما يلزم حتى تاريخه». ومنذ تقدم الشركة الى المناقصة «تعرضت لضغوط هائلة تستند إلى أسباب سياسية وكيدية رخيصة (..) وأخرى تجارية بهدف الضغط عليها لرفع الأسعار التي قدمتها أو بهدف الاشتراك مع عارضين آخرين».
إذاً، تقول الشركة إن ثمة من ضغط عليها لمحاولة رفع أسعارها، وثمّة من عمد الى تأجيل المناقصة 3 مرات. أكثر من ذلك، ووفق مصادر مطّلعة على ما جرى، فقد عمد أمين سر لجنة المناقصات حسان الحريري الى تأجيل المناقصة الأولى الى موعد آخر، ثم قام بتأجيلها مرة أخرى الى حين استكمال بعض الشركات لمستنداتها .وفي المرة الثالثة، لم يبلّغ الشركات أنه أجلّ الموعد مجدداً، بما يفهم منه أن البلدية أرادت حضور شركة أو شركتين دون سواهما. وأكدت المصادر أن حضور المناقصة اقتصر على ثلاث شركات هي «مكية انترناشيونال»، «شركة محمد خالد سنّو» (رئيس اتحاد العائلات البيروتية) و«شركة السلطان للمواد الغذائية» المملوكة من رجل الأعمال عماد الخطيب، مرشح تيار المستقبل السابق في قضاء مرجعيون ــــ حاصبيا. فاز مكية بالعرض الأدنى، لكن لدى تواصل «الأخبار» مع بعض أعضاء البلدية قال هؤلاء إن سنّو هو الذي فاز بالمناقصة، علماً بأنه وقبيل ذلك كله «جرى التداول بلائحة أسعار لكيلو الأرز والسكر والشاي والفاصوليا والملح والعدس وغيرها من متجر سنّو»، وفق المصادر. ما يعزز محاولة البلدية للالتفاف على القانون وادّعاء الشفافية لهدر المزيد من الأموال وتوزيع التنفيعات، أنها لم تبادر الى الاتصال بالشركة الرابحة، أي «مكية»، ولا إبلاغها بأي إجراء أو آليّة لبدء العمل.
طلبت وزارة الداخلية من البلديّة التقيّد بمبدأ المناقصة، كذلك فعلت دائرة القضايا

بل تمّ الاتصال به لمفاوضته حول تقاسم توزيع الحصص مع الشركتين الأخريين اللتين لم تفوزا! فضلاً عن أنه لا يحقّ للبلدية الاطلاع على أسماء الشركات مسبقاً. لكن ارتأت البلدية تفسير القوانين على قياس مصلحتها. رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني الذي خالف أصول قانون المحاسبة العمومية عبر عدم التقيّد بمبدأ المناقصة أو استدراج العروض أو استقصاء الأسعار أو حتى الاتفاق بالتراضي، ولم يتكلّف عناء تحديد دفتر شروط للمناقصة ولا آلية للتوزيع والمراقبة بما يضمن حسن تنفيذ الصفقة، قرر أمس إعادة إجراء المناقصة! هكذا من دون أي تبرير، أرسل جدول أعمال لجلسة يوم الثلاثاء المقبل مدرجاً فيه بند «الطلب من الإدارة إعداد دفتر شروط خاص لتلزيم شراء وتوزيع حصص غذائية للمحتاجين». حصل ذلك بعد إرسال وزير الداخلية محمد فهمي كتاباً الى محافظ بيروت لتحويله الى رئيس المجلس البلدي حول ضرورة تقيّد بلدية بيروت بمبدأ المناقصات. وكانت الأخبار قد نشرت تقريراً الأربعاء الماضي يتناول هذه المخالفة، علماً بأن دائرة القضايا في البلدية أيضاً، قدّمت مطالعة حول عدم قانونيّة المناقصة، وأدرجت النصوص القانونية المطلوب التقيّد بها، فوجد عيتاني والمجلس البلدي نفسيهما في وضع حرج يستدعي حفظ ماء الوجه قبل مواجهة العواقب.
ما سبق ليس استثناءً، بل هو نهج دأبت بلدية بيروت على اعتماده في معظم مشاريعها. المفارقة الوحيدة هنا أن هذه المناقصة اقتصرت على مليار ومئتي ألف ليرة، بينما هدرت ملايين الدولارات قبلها من دون حسيب أو رقيب. صفقة الحصص الغذائيّة، بمثابة جرم جزائي جراء التلاعب بأصول الصفقة العموميّة والمسّ بمبدأ المنافسة الذي من المفترض أن يكون مقدّساً لتحقيق أفضل الأسعار وحماية المال العام بحسب مرجع قانوني. ويفترض أن يدفع بديوان المحاسبة الى ملاحقة البلدية وتحويل المسؤولين عن هذا التلاعب الى النيابة العامة. إشارة الى أن الديوان بدأ منذ فترة بمراجعة كل قرارات بلدية بيروت المثيرة للريبة، وردّ بعضها لافتقادها الشروط القانونية، فيما البعض الآخر لم يصدر فيه قرار حتى الساعة.