هو الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي لا يزال يُعاني من «لعنة» المؤتمر الحزبي في حزيران 2016. من حينه، لم يلتقط نفَساً وهو يجتاز «الألغام» بين التخبطات والاعتراضات والانقسامات والاستقالات… وتبديل الرؤساء. فللمرة الرابعة في أربع سنوات، يتغيّر ساكن مكتب الرئاسة في «القومي»، من دون أن تكون الولاية الرئاسية قد انتهت بعد (مدّتها أربع سنوات، من حزيران 2016 إلى حزيران 2020)، ليُصبح فارس سعد خاتمة «ضحايا» العهد الحالي. فقبل أيام، وتحديداً بعد جلسة المجلس الأعلى الإثنين، قدّم رئيس الحزب فارس سعد استقالته من المنصب الذي اختير له في 7 تموز 2019. بين استقالته واستقالة سَلَفه، المحامي حنّا الناشف، العديد من أوجه الشبه، أبرزها، أولاً، أنّ الرجلين مثّلا خيار رئيس المجلس الأعلى، النائب أسعد حردان إلى رئاسة الحزب، وثانياً، أنّهما استقالا نتيجة الاصطدام في وجهات النظر بينهما وبين حردان. مع الإشارة إلى أنّه رغم «اتّهام» الأخير بأنّه القابض على كلّ مفاصل الحزب خلافاً لما تنصّ عليه المؤسسات، وبأنّه الرجل الأقوى داخله، لم يكن انتخاب الناشف وسعد «نزهة». وتحديداً في حالة سعد، سُجّلت سابقة بمقاطعة ستة أعضاء من المجلس الأعلى الانتخابات الرئاسية، التي تُعدّ من أبرز المحطات الحزبية، ليفوز بـ 9 أصوات، مقابل ورقتين بيضاوين. الاستقالة «فُرِضت» على الناشف (راجع «الأخبار»، 20 حزيران 2019 )، في حين أنّ سعد «فَرَضها» على المجلس الأعلى ورئيسه.قّلة داخل الحزب «صدّقت» أنّ سعد قد يُنفّذ تهديده بالاستقالة، والسبب الرئيسي ما يُنقل عن وجود اتفاق سابق بينه وبين حردان بأن يكون مُجرّد «رئيس إداري» في الأشهر العشرة المُتبقية من الولاية، حاملاً لمهمة واحدة هي تهدئة الوضع الداخلي تمهيداً للوصول إلى المؤتمر القومي في حزيران. إلا أنّ سعد، ذا الخلفية الاقتصادية، لم يرد أن يُسجّل في تاريخه حصول مخالفات داخلية، فكانت الاستقالة. «منذ أن تسلّمت المركز، بدأ الاختلاف في وجهات النظر»، قال سعد في اتصال مع «الأخبار»، ذاكراً وضعه «خطة حزبية لململة صفوف الحزب وإنهاء الأزمة المستمرة، إلا أن الوضع الداخلي لم يسمح بتنفيذها، ولم يكن لديّ مجال لأخلق أدوات تنفيذية جديدة». أراد سعد إعادة تقريب القوميين المُعتكفين في بيوتهم من الحزب، وتفعيل عمل القوميين في الاغتراب، من دون أن يُفلح. قدّم طعناً في انتخابات المندوبين إلى المجلس القومي (نُظّمت في تشرين الأول الماضي في منفذية السلَمية في سوريا)، لم تبتّه المحكمة الحزبية. طالب بتغيير عمداء الداخلية والدفاع وشؤون عبر الحدود، فجرى التعامل مع طلبه باستخفاف. أمام طريقه المسدود، قرّر سعد «لا أُريد أن أكون عنوان أزمة جديدة. وحين ترى السلطة التنفيذية أنها غير قادرة على العمل، تستقيل».
قال سعد لـ«الأخبار» إنّه لم يرد أن يكون عنوان أزمة جديدة


يلفّ الغموض حديث سعد، فلا يُحدّد ما الذي دفعه إلى الاستقالة، ربّما لأنّه مُستمر في الرهان على خرقٍ ما. فهو اعتبر أنّ «الأمور قد تكون قابلة للحلّ، وربما ينتج من قرار الاستقالة خضّة تُعيد تصويب الأمور. بالنتيجة، هذا الحزب هو الأمل الوحيد لخلاص المجتمع».
تكشف مصادر قومية أنّ مشكلة سعد بدأت في تشرين الأول الماضي، غداة انتخابات المندوبين إلى المجلس القومي. يومها، «حصلت مخالفات قانونية عدّة، ولا سيّما في القوائم الانتخابية، والضغط على القوميين في الترشح والاقتراع». حاول سعد الحدّ من «نسبة القوميين الذين مُنعوا من المشاركة في الانتخابات رغم حقّهم بذلك، وقدّم طعناً بنتائج إحدى المنفذيات، ولم يستمع له أحد». بحسب المصادر، «طلب سعد تبديل عميدَي الداخلية معتز رعدية، والدفاع زياد المعلوف، المعنيين مباشرة بالانتخابات، قبل أن يُضيف إليهما عميد شؤون عبر الحدود إيلي خوّام، وهو المسؤول عن ملفّ كلّ القوميين في الاغتراب». هدفه كان «ضمان إجراء انتخابات نزيهة»، فأتاه «الفيتو» على طلبه من أسعد حردان. بعد انتخابات المندوبين، بقي سعد مُصرّاً على إقالة «الثلاثي»، مُرفقاً طلبه برسالة يؤكد فيها استقالته في حال عدم الاستجابة له. لكنّ حردان نجح في «إقناع سعد بأنّ إقالة ثلاثة من مجلس العُمد، ستُظهَّر كأنّها سياسة كيدية ضدّهم، وتحميلهم وحدهم مسؤولية الفشل، طارحاً عليه استبدال مجلس العُمد بآخر مُصغّر». حصل هذا الحديث خلال جلسة المجلس الأعلى، يوم الجمعة الماضي، «وطُلب من سعد تقديم لائحة بأسماء أعضاء مجلس العمد الجديد في جلسة المجلس الأعلى يوم الإثنين 24 شباط. ولكن، أُجّل النقاش بالأسماء المُختارة إلى جلسة أخرى تُعقد الجمعة 28 شباط». أمام «المماطلة»، كتب سعد استقالته، «وسلّمها الثلاثاء لأحد أعضاء المجلس الأعلى».
استقالة سعد تطرح إشكالية من يُدير الحزب حتى انعقاد المؤتمر القومي الذي حُدّد في 6 و7 حزيران، وسينتج منه انتخاب مجلس أعلى، سينتخب بدوره رئيساً جديداً. بحسب الدستور الحزبي، في حال استقالة الرئيس قبل ستة أشهر من المؤتمر الداخلي، يتسلّم مهامه نائب الرئيس، وهو حالياً وائل حسنية. المعضلة أنّ حسنية قدّم استقالته قبل سعد. ما العمل؟ «يُمكن دستورياً إعلان حالة الطوارئ»، تقول المصادر التي تُضيف بأنّها «ليست المرة الأولى التي يستقيل فيها حسنية، ثم يعود عنها بعد تواصل حردان معه. الأرجح أن يتكرّر الأمر».
حاولت «الأخبار» الاتصال بحردان للحصول على موقفه، لكنّه لم يُجب على الاتصال والرسالة النصّية. أما مصادره، فبقيت مُصرّة على أنّه «ما في شي. رئيسنا ما في متلو. وكلّ شي بينحلّ».