تعاني السجون في لبنان من مشاكل عدة أهمها ناتج عن الاكتظاظ الخانق في أماكن احتجاز لا تتناسب أوضاعها مع المعايير الدولية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد مانديلا). إذ انها ضيقة وغير مجهزة لاستيعاب آلاف الموقوفين والمحكومين من الرجال والنساء والاحداث، ولا تتوفر فيها الخدمات الطبية والتأهيلية والتربوية والصحية اللازمة لواجب احترام كرامات البشر وأبسط حقوقهم. أضف الى ذلك ان قوى الامن الداخلي المكلفة حالياً، وبشكل مؤقت منذ اكثر من خمسين سنة، إدارة السجون وحراستها، غير مؤهلة مهنياً وغير قادرة عملياً على إتمام هذه المهمة باحتراف.وكانت خطط وُضعت لانتقال إدارة السجون من وزارة الداخلية الى وزارة العدل. غير ان ذلك لا يمكن ان يتحقق الا بعد تأسيس مؤسسة متخصصة مثل ما هو قائم في فرنسا (Administration Penitentiaire) وتدريب العاملين فيها وتجهيزهم. وبما ان عمل المؤسسات هو الاساس لا السلطة ولا المرجعية في هيكلية السلطة التنفيدية، يمكن ان تتبع هذه المؤسسة لوزارة العدل او لوزارة الداخلية، ولا حاجة او جدوى من الدخول في سجال حول مرجعية المؤسسة كما حصل في السابق لأسباب تتعلق بحسابات توزيع الصلاحيات.
صحيح ان قوى الامن سعت الى تطوير قدرات ضباطها وعناصرها في إدارة السجون وحراستها من خلال فتح دورات تدريب، وعبر طلب المساعدة من سفارات وبعثات أجنبية ومكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في بيروت؛ وصحيح ان العديد من الجمعيات والهيئات غير الحكومية ساهمت في تحسين أوضاع السجون والسجناء من خلال برامج موسمية ومبادرات مختلفة؛ وصحيح ان وزارة الداخلية بادرت الى اطلاق مشاريع بناء سجون جديدة أولها في مجدليا (وفاحت رائحة الفساد بهذا الشأن)؛ وصحيح ان العمل قد انطلق في إدارة السجون في وزارة العدل وتم تعيين قضاة وموظفين لهذه الغاية؛ غير ان كل ذلك، على أهميته، لا يشكل معالجة جدية وحاسمة لمشاكل السجون. ولا بد من تحديد الأهم بعد سرد المهم في هذا المجال.
الأهم هو الخطوة الاولى التي يفترض ان تتضافر كل الجهود لتحقيقها. الخطوة التي يفترض ان يصر مجلس الوزراء على السير بها. الأهم هو العمل التأسيسي الذي يضع حجر الزاوية لخطة الإصلاح والنهوض والتطوّر، الا وهو قانون حديث لتنظيم أماكن الاحتجاز والمؤسسة الإصلاحية التي يفترض ان تديرها.
ان المرجع القانوني الحالي لادارة السجون وتنظيمها هو مرسوم صدر عام 1949. ولكن بما انه قديم ولا يمكن تطبيق ما يقتضيه بسبب النقص الحاد في المخصصات المالية وبسبب تغييرات طرأت على قوى الامن وعلى وزارة الداخلية وعلى اعداد السجناء وأنواع الجرائم منذ وضع هذا المرسوم، تدار شؤون السجون اليوم بموجب مذكرات وتعليمات تصدر عن وزير الداخلية والمدير العام لقوى الامن الداخلي ومدعي عام التمييز وقائد الدرك. وفي ظل غياب قانون حديث يحدد الاجراءات وتسلسلها والصلاحيات بوضوح، هناك هامش واسع للفوضى والهدر والاستنسابية والتدخلات والمحسوبيات والفساد والافساد.
في ظل غياب قانون حديث يحدد الاجراءات وتسلسلها والصلاحيات بوضوح، هناك هامش واسع للفوضى والاستنسابية والمحسوبيات والفساد


ان الجهة المكلفة قانوناً وضع مشروع قانون حديث لإدارة السجون في لبنان هي إدارة السجون في وزارة العدل، والتي انشئت استناداً الى المرسوم 17315 الصادر عام 1964، وجاء فيه ان «مدير ادارة السجون يعمل فور مباشرته مهامه، على وضع مشاريع النصوص المتعلقة بتنظيم وتحديد صلاحيات ومهام ادارة السجون وتحديد الملاكات الضرورية لضمان حسن سير عمل هذه الادارة وبكيفية تأليف اجهزة السجون وبطرق اعداد وتدريب الموظفين لإدارة السجون وللوظائف العقابية وكل ما يتعلق بهذا الموضوع ويؤول الى حسن تنفيذه» (المادة الخامسة).
ويفترض ان تحدد «صلاحيات ومهام إدارة السجون» بشكل واضح لتشمل تولي الإدارة الفعلية للسجون وفقاً لبرنامج زمني محكم وملزم. وبناء على ذلك لا بد ان يكون ملاك الموظفين واسعاً ويتضمن خبراء ومتخصصين في إدارة السجون، من بينهم الضباط والموظفون الذين خضعوا لدورات تدريب في فرنسا وفي غيرها خلال السنوات الفائتة. ولا بد من الإشارة هنا الى ان المدير الحالي لادارة السجون القاضي رجا ابي نادر كان قد تقدم بطلب توسيع الملاك، لكن وزارة العدل لم تتجاوب بالكامل مع طلباته. أما في ما يخص «كيفية تأليف أجهزة السجون»، فلا بد ان توضع هيكلية تتألف من إدارة مركزية وأقسام الامن والسلامة والخدمات الطبية والعلاجية والتربية والتدريب المهني وإعادة التأهيل والصيانة والاشغال والتواصل العائلي وإعادة الادماج الاجتماعي، وأقسام خاصة لتصنيف السجناء وفصلهم وتوزيعهم بحسب معايير علمية توضع مسبقاً.
ان موضوع اصلاح السجون يستدعي معالجة جذرية عاجلة. ولا يمكن لا ان تستمر المعالجات السطحية ولا الاعتماد على «الشحادة» من الدول المانحة ومن الامم المتحدة والجمعيات الخيرية غير الحكومية كما يحصل اليوم. فهل ستتمكن وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم المؤهلة اكاديمياً والتي تتمتع بأخلاق رفيعة من أن تلتزم بروح المسؤولية؟