تقول الرواية الأمنية إن المتظاهرين يومي السبت والأحد، في وسط بيروت، «بادروا»، للمرة الاولى، إلى استخدام قنابل مسيلة للدموع، و«حرّاقات»، وآلات حادة، ضد القوى المكلفة بـ«حماية» ساحة النجمة. وهذه القنابل، لم يكن مصدرها قاذفات «مكافحة الشغب»، بل المتظاهرون الذين باغتوا قوى الأمن من ساحة رياض الصلح. تضيف الرواية أن هؤلاء المتظاهرين «مندسّون» بين «المتظاهرين السلميين»، وأن قوة مكافحة الشغب في محيط ساحة النجمة استخدمت المياه لتفريقهم لثلاث ساعات، أي إنها «صبرت عليهم»، قبل أن تبدأ بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع. وهنا، «فاجأوها» بأنهم وضعوا على وجوههم أقنعة تقيهم الغاز المسيل للدموع. ولمّا وقع في صفوف «رجال الأمن» عدد كبير من الجرحى، من جرّاء الرمي بالحجارة والآلات الحادة، «اضطرت» قوة مكافحة الشغب إلى إطلاق الرصاص المطاطي ضد عدد محدد من «المندسين». رواية يُراد منها القول إن قوى الأمن كانت في حالة دفاع عن النفس، وعن استقرار البلاد.رواية «المندسين» أطلقها رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري السبت الفائت، ليتبنّاها أمس الاجتماع الأمني الذي عُقِد في قصر بعبدا، رغم غياب الحريري عنه. فيه تحدّث أمنيون عن أحزاب تتولى تنظيم التظاهر، وعن أحزاب ستهاجم مجلس النواب، وعن أحزاب تفتح مراكزها كغرف عمليات لقيادة التظاهرات. لكن، لم يأتِ أحد من الحاضرين على ذكر الشبان الذين فقدوا عيونهم، وبُتِرت أصابع بعضهم، برصاص مطاطي أطلقه ضباط يعملون في قوة مكافحة الشغب، بأمر مباشر من المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان. وعثمان هذا هو الذي يقود «مكافحة الشغب»، بصورة شخصية ومباشرة، من داخل غرفة عمليات شرطة بيروت في ثكنة الحلو. وعندما لا يحضر شخصياً، يبقى على اتصال بغرفة العمليات. بناءً على أوامره، تُطلق القنابل المسيّلة للدموع. وبناءً على أوامره، يُحدّد عدد القنابل. وإذا رُميت قنبلة واحدة زيادة على العدد الذي حدّده عثمان، يُساءَل الضابط الذي تجاوز الأوامر. وبناءً على أوامره، «الضرب مسموح». وبناءً على أوامره، أول من أمس، استُخدِم الرصاص المطاطي. وكانت الأوامر تقضي بأن الضباط، لا الرتباء، يُطلقون النار. هؤلاء الضباط، في غالبيتهم، يعملون في «مكافحة الشغب» كنتيجة لعقوبة مسلكية، أو لأنهم «بلا واسطة». وغالبيتهم أيضاً لا تتمرن على الرماية. هم يطلقون النار كأيّ هاوٍ. هؤلاء هم الذين أمرهم عثمان، الذي وصف نفسه بـ«القائد الذهبي»، بإطلاق الرصاص المطاطي على المتظاهرين الذين وصفتهم «الدولة» بـ«المندسين».
الأمر ليس بحاجة إلى كثير تمحيص. ثمة رجل يتحمّل مسؤولية إطفاء عيوننا واقتلاع بعضها أول من أمس، وسحل أجسادنا قبل أيام، وهو يبرر ذلك بأن «العسكر» يغضبون عندما يشتمهم المتظاهرون أو يرمونهم بالمفرقعات. ثمة ضابط فاشل، لا يجيد اتخاذ القرارات، ووزيرة فاشلة عاجزة عن فرض سلطتها عليه. وثمة سلطة تمنحه الغطاء، وتسمح له بتكرار ما فعله، لأنه يحمي البلاد و«حلم رفيق الحريري» من «المندسين»، بعدما سمحت لنفسها بتحديد المواطن الصالح الذي يتظاهر بسلمية، والمندس السيّئ الذي يريد تخريب العاصمة. على عثمان، ومن يغطيه، أن يدفعوا الثمن. وأول الثمن إقالته، بتهمة الفشل، ومحاكمته، كما وزيرة الداخلية، بتهمة محاولة قتل المتظاهرين والتسبّب في بتر أعضائهم واقتلاع عيونهم.
ارتضينا العيش في مكان لا دولة فيه لتحمينا. لكن ما لا نرتضيه، فوق الذل، أن تُقتَلع عيون أبنائنا لأنهم استُغضِبوا فغَضِبوا.