طُرِح في الساعات الاربع والعشرين المنصرمة اقتراح من شأنه شق الطريق امام تأليف الحكومة الجديدة، وتذليل العراقيل التي تعترضها. ذُكر ان الرئيس المكلف حسان دياب ابدى مرونة حياله واستعداداً ايجابياً، في ضوء دعم حزب الله له بسبب استعجاله انهاء هذا الاستحقاق. يُرضي الاقتراح ايضاً رئيس الجمهورية ميشال عون ويستجيب طلبه، ويفسح في المجال امام بضعة مخارج متلازمة. الانطباعات الاولية ان الرئيس المكلف لم يرفض الاقتراح للفور.يقضي الاقتراح بتخلي دياب عن الشرط الذي يتمسك به، وهو 18 وزيراً في الحكومة، ومجاراته ما ينادي به رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل بجعلها من 20 وزيراً بإضافة مقعدين كاثوليكي ودرزي. اما الاسباب المبررة لهذا الحل فهي الخروج من المأزق الحكومي الذي يراوح مكانه، فيما الشارع - خصوصاً بعد احداث الثلثاء المنصرم ثم ليلي السبت والاحد - أضحى ساحة لتفاوض سياسي انخرط فيه اكثر من طرف داخلي لم يعد يتوخى ممارسة ضغوط لتأليف حكومة مستقلين فحسب، بل دفع البلاد الى الفوضى والتسيّب. وهو ما أفصحت عنه شبه الحرب التي دارت الاسبوع المنصرم رحاها في شارع الحمرا اولاً، ثم انتقلت في رد فعل عليها الى وسط بيروت كي تتساوى المنطقتان التجاريتان في التخريب والشغب. ناهيك برسالة ابلغ الى مجلس النواب، ليلي السبت والاحد ايضاً، عندما حاول المتظاهرون وعناصر الشغب اقتحام الحاجز الحديدي للدخول الى باحة البرلمان. اشارة ذات دلالة عنت تحوّل البرلمان اكثر من اي وقت مضى الى هدف في ذاته بات يتجاوز المطالبة بقانون جديد للانتخاب واجراء انتخابات نيابية مبكرة.

(هيثم الموسوي)

في فحوى المخارج التي يتناولها اقتراح رفع عدد الوزراء الى 20، الآتي:
1 ـ اعتبار هذا التنازل هو الوحيد الذي يقدمه الرئيس المكلف في سبيل اخراج التأليف من مأزقه، وتالياً المسارعة الى اصدار مراسيم الحكومة الجديدة، وعدم تفريخ شروط جديدة تعيد العرقلة الى بداياتها على نحو ما حدث في الاسبوع المنصرم. الواضح ان حزب الله يأخذ على عاتقه اطلاق الآلية الاخيرة للتأليف بلا عراقيل، في حال وافق دياب على هذا التنازل من اجل الجميع. تفهّم الحزب المعايير التي وضعها الرئيس المكلف لتأليف الحكومة وتشبّث بها، من غير ان يقتنع بها وكانت له وجهة نظر مغايرة. مع ذلك تخلى عن معظم شروطه وسلّم بمعايير دياب: حكومة تكنوقراط عوض حكومة تكنوسياسية، عدم عودة اي من وزراء حكومة تصريف الاعمال، التخلي عن توزير حزبيين ونواب.
2 ـ استرضاء رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه باعطائه مقعداً ثانياً - الى مقعد ماروني أول - هو المقعد الكاثوليكي الاضافي، بعدما كان لوّح بعدم المشاركة في الحكومة الجديدة. تلقف الثنائي الشيعي هذا الموقف بانزعاج بسبب اصراره على مشاركة حلفائه في قوى 8 آذار في الحكومة التي اضحت حكومة اللون الواحد. اذ يبدو من غير المنطقي لفرنجيه توقع حصوله على مقعدين مارونيين من اربعة.
3 ـ من شبه المؤكد ان الوزير جبران باسيل ليس في وارد التنازل عن ستة مقاعد في الحكومة الجديدة جراء اصراره على ان تكون من 20 وزيراً، مع الاخذ في الاعتبار تحالفه مع حزب الطاشناق. في حسبان باسيل ان 6+1 يمنحانه الثلث+1 في مجلس الوزراء، في حين ان في حسبان الرئيس المكلف وحزب الله ان لحزب الطاشناق استقلالية حتمية تجعله لا يلتصق تماماً بالكتلة الوزارية للتيار الوطني الحر، وإن شاع عنه تاريخياً انه حزب رئيس الجمهورية. يتمسك رئيس الجمهورية بنيابة رئاسة الحكومة ووزير الدفاع في حصته، فيما يتمسك باسيل بحقيبة الاقتصاد لأيمن حداد، ما يفضي الى اخراج النقيبة امل حداد من التشكيلة الحكومية بعدما اصر الرئيس المكلف على توزيرها، وان يعهد اليها - بلا حقيبة - في تولي رئاسة اللجان الوزارية على غرار الدور الذي اضطلع به نائب رئيس الحكومة سابقاً عصام فارس في حكومتي 2000 و2003 مع الرئيس رفيق الحريري.
في فحوى موقف حزب الله محاولته الموازنة بين دعمه دياب متمسكاً بترؤسه الحكومة، وبين عدم اغضاب رئيس الجمهورية وارغامه على ما لا يرضى به.
4 ـ تسمية وزير ينتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي في المقعد الدرزي الاضافي في حكومة الـ20. بذلك يُسترضى الحزب تعويض تأييده توزير النقيبة حداد. علماً ان الوزير الدرزي الاول، القريب من النائب طلال ارسلان، محسوب في الاصل على الرئيس المكلف وزميله في الجامعة الاميركية.
يوازن حزب الله بين دعمه دياب وعدم اغضاب عون


5 ـ بات في حكم المحسوم الحاجة الى افضل التسويات الممكنة مع الرئيس المكلف، بعدما صار التعاون معه امراً قاطعاً لا بديل منه. نقطة الضعف هذه في فريق 8 آذار، مكّنت دياب من استكمال لعبة الاصرار على التأليف الى النهاية. وهو ما ادركه الافرقاء الذين سمّوه. وضع الرجل وراء ظهره اي فكرة تقول باحتمال اعتذاره، وهو وصل - او يكاد - الى الشوط الاخير في التأليف، معولاً على قاعدتين: اولاهما عدم تخليه عن التكليف اياً تكن وطأة الضغوط عليه، وسيتمسك به مهما طال الوقت ما دام لا آلية دستورية معمول بها تجرده منه، ناهيك بالصدى المذهبي لفرض الاعتذار. ثانيتهما ان احداً لم يعد يريد الرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة ولا يشجع عليه. سلّح دياب نفسه ايضاً بموقف تيقن منه المعنيون بمشاورات التأليف، وقد يكون البعض تحمّس له فيه، وهو انه لن يضعف ويسقط اياً يكن تحريض الحريري الشارع السنّي عليه لارغامه على التنحي. لكنه عنى ايضاً ان لا شارع آخر سيرغمه على ترك التكليف، شيعياً كان او مسيحياً. قلل هذه الموقف من حظوظ البحث عن العراقيل لحمله على الاعتذار حتى عند الذين سمّوا دياب وقد يكونون ربما ندموا على هذا الخيار. ترددت قبلاً اقاويل ان رئيس الجمهورية لم يعد راضياً عن الرئيس المكلف. قيل ايضاً ان في الامكان تجريده من التكليف ما دام لم يصدر مرسوم بتسميته رئيساً لمجلس الوزراء.
ذهب غلاة هذا الرأي القصير النظر الى الاعتقاد بأن في وسع رئيس الجمهورية سحب بيان التكليف، مع ان مرجعية التكليف تعود الى مجلس النواب وليس الى الرئيس الذي لا يعدو كونه، والحال هذه، صندوقة بريد تبليغ بما قررته الغالبية النيابية. اخفقت جهود التضييق على الرئيس المكلف، الى ان سلّم بعض النادمين بأن المواجهة المطلوبة معه مباشرة فحسب عبر فرض شروط جديدة. وهي الملعب الذي يحلو للرئيس المكلف - كما لأي رئيس مكلف سبقه - ان يلهو فيه ما دام الآخرون تيقنوا تعذر ارغامه على الاعتذار.