يكشف اصرار جيش العدو على منع نشر تقرير سري حول عيوب الفرقة الاكبر في الجيش الاسرائيلي (319) التي يفترض أنها ستواجه حزب الله في أي حرب لاحقة، عن مخاوفه من مفاعيل هذا الكشف لدى الجمهور الاسرائيلي وأعداء الكيان. لكن المحكمة المركزية في تل ابيب كان لها اعتباراتها الاخرى، وفرضت عليه تسليم 13 تقريراً تتضمن انتقادات خطيرة، الى موقع «يديعوت احرونوت». تزامن ذلك، مع الاعلان عن نشر منظومات كشف الانفاق على الحدود مع لبنان، في خطوة اضافية تعكس حجم مخاوف قادة العدو من خيار اقتحام الجليل في أي عدوان على لبنان.خصوصية التقرير الذي تم اعداده في صيف 2018 تنبع من كونه يأتي في أكثر من سياق. فالى جانب كونه يتعلق بالفرقة الاكبر في جيش العدو، يأتي بعد سلسلة تقارير ومواقف تؤكد عدم جهوزية سلاح البر، في ظل ظروف اقليمية استثنائية تحتاج فيها اسرائيل الى توجيه مزيد من رسائل القوة في مواجهة تعاظم التهديدات المحدقة بها. وهو يأتي بعد أكثر من 13 عاما من حرب العام 2006، يفترض أن الجيش أمضاها تدريباً وتطويراً، في محاولة لبلوغ الجهوزية التي تسمح له بامتلاك خيار المبادرة الى شن الهجمات الواسعة التي كانت تعتمدها اسرائيل في مواجهة لبنان. لكن مشكلة اسرائيل التي تَلمَّس قادتها تفاقمها من مرحلة الى أخرى، نبعت في الأساس من ادراك قادة العدو تعذر امكانية الحسم بالمعنى التقليدي الذي يقوم على احتلال الارض وتدمير القدرات، وتعذر تحققه ايضا عبر سلاح الجو.
لم تعد هذه المفاهيم مجرد تقديرات تستند الى تجارب سابقة، والى تقارير خبراء، بل تم الاقرار بها ايضا في أكثر من محطة. ففي الربع الاخير من عام 2018، صارح رئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت الجمهور الاسرائيلي، لمناسبة الرأس السنة العبرية، بعقم الرهان على الخيار الجوي، موضحاً في سلسلة مقابلات بأن «الانتصار في الحرب سيأتي فقط عبر مناورات القوات البرية التي ستحتل الارض وتهزم العدو» (الاخبار - الإثنين 10 أيلول 2018). لكنه تغافل في حينه عن امكانية الرهان على نجاعة سلاح البر. وهو ما كشفه، بعد أشهر فقط، نائبه اللواء يائير غولان. إذ كشفت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن وثيقة سرية قدمها الاخير الى القيادة العسكرية، يوضح فيها عدم جاهزية سلاح البر وأن القيادة العليا لا تثق به («الاخبار» - السبت 9 شباط 2019).
لا يعني ذلك أن العدو عَزَفَ عن خياراته الهجومية في البر والجو. لكنه مضطر الى الاعداد لها، والسبب بكل بساطة تبدّد الرهان على الخيارات البديلة. وهو ما يضيء على أحد أوجه خطورة تقرير «يديعوت»، كونه يأتي في سياق تتصاعد فيه التهديدات، وتبددت فيه الرهانات، وتتعاظم فيه قدرات محور المقاومة النوعية، وهو ما يُفسر اصرار الجيش على عدم السماح بنشره.
يدرك قادة العدو تعذر امكانية الحسم الذي يقوم على احتلال الارض أو عبر سلاح الجو


في المقابل، ما توقف عنده المراسل العسكري لموقع «يديعوت» يوآف زيتون أنه لم يعد مفهوماً ولا مقبولاً وجود نقص في الفرقة التي يفترض أن تواجه حزب الله، بما يُمثِّله من قدرات وخبرات واندفاع، بـ «الاف الشاحنات لإدخال الدعم والذخيرة والمياه للقوات المناورة... إضافة الى نقص في سيارات الإسعاف لمناطق التجمع». وقد حذر زيتون من أن ذلك سيؤدي الى أن «تعلق» هذه القوات بعد توغلها في الاراضي اللبنانية. والاكثر خطورة أن محاولة المنع تُظهر الى «اي حد الجيش يخفي، والى أي حد المؤسسة الأمنية تمتنع عن الكشف». ويتلاقى هذا التقييم مع ما نقله زيتون ايضا عن أحد كبار الضباط في الفرقة (ليس من الصعوبة التقدير أنه قائدها أو ممن يحيطون به)، ومفاده ان «من الافضل أن يتخلى الجيش الإسرائيلي عن قوات الإحتياط في الحرب القادمة بشكل قاطع!». ويؤكد بذلك على أن هذه العيوب التي تعاني منها الفرقة تنسحب على كامل فرق الاحتياط في الجيش الاسرائيلي.
على هذه الخلفية، يصبح واضحا منشأ تحول اهتمامات جيش العدو الى تعزيز اجراءاته الدفاعية والاعتراضية التي تهدف الى حماية الجبهة الداخلية. ويؤكد أن ذلك ينبع من ضرورة الاستعداد للمخاطر التي تحدق بالجبهة الداخلية الاسرائيلية نتيجة تعاظم قدرات حزب الله الهجومية، القوسية (الصواريخ) والبرية، والتحت – ارضية.
في هذا السياق، كشف جيش العدو عن قناعته التامة بأن خيار اقتحام الجليل يشكل أحد الأوراق الدفاعية والردعية لحزب الله في الدفاع عن لبنان. فبعد المناورات التي أجراها خلال الاسابيع الماضية، والتغيير في التضاريس الذي أحدثه مقابل الحدود مع لبنان، أعلن وضع آليات ومعدات تكنولوجية تعتمد على أجهزة لكشف مواقع حفريات تحت سطح الأرض عند الحدود الشمالية مع لبنان، على أن تستمر هذه الأعمال لعدة أشهر، وبالتنسيق مع رؤساء السلطات المحلية في المناطق الحدودية. وتأتي هذه الاجراءات الاسرائيلية، انطلاقا من مستوطنة مسغاف عام، الواقعة مقابل قرية عديسة في جنوب لبنان، على أن تمتد إلى مناطق أخرى على طول الحدود مع لبنان.
مع ذلك، ينبغي التوقف عند اعلان العدو عن هذا الاجراء الذي حرص على أن يكون علنياً، مع أنه كان بامكانه أن يقدم عليه بقدر من السرية. فقد أراد بذلك توجيه أكثر من رسالة نحو الداخل والخارج. من جهة، هَدَفَ الى محاولة تثبيط حزب الله عن مواصلة مساعيه في هذا المسار، عبر القول أن اسرائيل باتت تملك الوسائل الوقائية، فبحسب القناة «13» في التلفزيون الاسرائيلي، «البنية التحتية التي تم نشرها على الحدود، تستند إلى تكنولوجيا فريدة من نوعها، وتمت ملاءمتها لطبيعة المنطقة عند الحدود الشمالية».
ونحو الداخل، أراد جيش العدو ايضا أن يوجه رسالة طمأنة الى الجمهور الاسرائيلي عبر محاولة رفع مستوى الشعور بالأمن لديهم، خصوصاً بعدما ثبت لديهم بالادلة الملموسة أن حزب الله يعد العدة لتنفيذ هذا الخيار، اذا ما أقدمت اسرائيل على شن عدوان على لبنان.