عاد أهل السلطة إلى أداء الدور الذي لا يتقنون غيره: تقاذف المسؤوليات في ما بينهم، غير آبهين بالأوضاع التي وصلت إليها البلاد ولا بالغضب في الشوارع. «السلمية» المعتمدة من قبل بعض المعتصمين أثبتت لاجدواها في ظل تصلّب السياسيين وتجاهلهم لما يجري في مختلف المناطق اللبنانية. وحدها أعمال «الشغب» التي حصلت منذ يومين أمام مصرف لبنان وفي شارع الحمرا، أعادت لمّ شملهم ووضعتهم أمام خيارين، إما تأليف حكومة أو فتح الباب على مزيد من «شغب المصارف»، نقطة ضعفهم الرئيسية. كان يفترض يومها أن تذلل العقبات وتوضع لمسات التشكيلة الحكومية يوم أول من أمس. لكن ثمة من «اصطنع» عقبات جديدة. لم يعد مفهوماً ما الغاية من التلاعب بمصير البلد وتأجيج الغضب الشعبي وتعميق أزمة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية. لا يتعلق الأمر هنا بالنائب طلال أرسلان ولا بتيار المردة ولا بمشكلة كاثوليكية. ما سبق ذرّ للرماد في العيون، بينما المشكلة مشكلة قرار سياسي يبدو أنه لم يحسم بعد. وعليه، لماذا لا يملك أي من أحزاب السلطة الجرأة للإعلان عن ذلك؟ لماذا يعمد هؤلاء الى نشر الأجواء الإيجابية، ثم الانقلاب على شائعاتهم ببثّ شائعات أخرى؟ ففيما يغرق البلد في ديونه وتستشرس المصارف في إذلال صغار المودعين، يتصرف شركاء التأليف كما لو أنهم يملكون ترف إضاعة الوقت. وهو ما يطرح سؤالاً رئيسياً عما إذا كانوا مؤهلين لقيادة البلد وأزمته، وعما إذا كان هناك إصلاح اقتصادي واجتماعي يجمعهم أم أن الحكومة، إذا أبصرت النور، ستكون صورة عن خلافات ما قبل التأليف؟ فحتى يوم أمس، لم يتغير سلوك التأليف بتاتاً. مصادر تتحدث عن عقدة أرثوذكسية تتمثل في رغبة رئيس الحكومة المكلف دمج وزارتَي الدفاع والاقتصاد، حتى لا يحصل التيار الوطني الحر على الثلث الضامن، في حين تتحدث مصادر أخرى عن رفض رئيس الجمهورية دمج هاتين الوزارتين لعدم تناسبهما مع بعضهما البعض. إذ جرى الحديث يوم أول من أمس عن 4 وزارات للتيار (الخارجية والاقتصاد والطاقة والبيئة)، و1 للطاشناق (دُمجت وزارتا الثقافة والاعلام)، و1 للمردة (الأشغال العامة) و2 لرئيس الجمهورية (الدفاع والعدل) وواحدة لرئيس الحكومة. ليعود النقاش يوم أمس حول تعيين أمل حداد في منصب نائب رئيس الحكومة إرضاء للحزب السوري القومي الاجتماعي بدلاً من تسليمها للواء ميشال منسى، الأمر الذي رفضه رئيس الجمهورية، بينما عرض التيار تعيين أيمن حداد في الاقتصاد وهو مقرّب من القوميين. بقيت عقدتان، اللقاء الديموقراطي وتيار المردة المطالب كل منهما بوزارتين عوضاً عن وزارة. وتقول المعلومات إن حزب الله حلّ «عقدة» النائب طلال أرسلان بمبادلة بين حقيبتَي الصناعة والشؤون الاجتماعية، فيما لم تذلّل بعد عقدة النائب السابق سليمان فرنجية، علماً بأن اتصالات معه أفضت إلى إفساح المجال أمام حل قريب، إذ أرجأ فرنجية مؤتمراً صحافياً كان سيعقده صباح اليوم، وكان متوقعاً أن يعلن فيه «التخلي عن التمثيل الحكومي مع إعطاء الثقة للتشكيلة».
فرنجية يرجئ مؤتمره الصحافي إفساحاً في المجال أمام حل لعقدة تمثيل المردة

وكان لافتاً أمس موقف عضو اللقاء التشاوري النائب جهاد الصمد الذي أعلن أنه لن يمنح حكومة الرئيس المكلّف حسان دياب، الثقة، واصفاً إياها بـ«حكومة المستشارين المقنّعة». ولفت إلى أن هذا القرار بـ«صفتي الشخصية»، ما يعني أنه ليس قرار «اللقاء التشاوري». وفي بيان أصدره، أمس، قال الصمد: «لما كنا قد سمّينا في اللقاء التشاوري البروفسور حسان دياب، كان في ذهننا أن الرجل هو من خارج النادي التقليدي لرؤساء الحكومات، وأنه سيكون حريصاً على تشكيل حكومة موثوقة من أكفاء يتمتعون باستقلالية القرار». وأضاف: «تبيّن لي أنا شخصياً وبالملموس أنني كنت واهماً، وأن الرجل لا يمكنه أن يشكل حكومة من الكفاءات التي تتمتع باستقلالية القرار».وتابع: «لقد أصبح واضحاً للرأي العام وللشعب اللبناني أن من يشكلون هذه الحكومة منفصلون عن الواقع الذي يعيشه الناس، من رفض لهذه المنظومة الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى حالة الانهيار». وفي إشارة إلى الوزير جبران باسيل، قال الصمد إن «أحدهم لا يزال يتذاكى على العباد، محاولاً استعادة مقولة الثلث المعطل التي عطلت عمل كل الحكومات».