في الأيام الأخيرة من العام 2019 المنصرم، صدرَت عن وزارة الخارجية والمغتربين ــــ مديرية الشؤون السياسية والقنصلية، عدة تعاميم مُرفقة بنسخ من رسالة صادرة عن سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت (الرسالة صادِرة يوم 16 كانون الأول 2019) بشأن قيام وزارة الخزانة الأميركية بإضافات جديدة على لائحة العقوبات الأميركية. يتضمّن هذا الكتاب إدراج الأسطول البحري لخطوط الشحن لجمهورية إيران الإسلامية وفرعها المُتمركِز في الصين، بالإضافة الى شركة الطيران الإيرانية، و3 وكلاء مبيعات لشركة (mahan air- شركة طيران إيرانية) مُتمركزة في دولتَي الإمارات والصين. كما أدرِج رجل أعمال إيراني الجنسية بتهمة مُشاركة إحدى شركات الشحن التابعة له بنقل أسلحة من إيران إلى اليمن. الغريب أن الكتاب نفسه جرى «تعميمه» على عدد من وزارات الدولة وإداراتها، علماً بأنه وفقَ «الأصول» اللبنانية فإن مثل هذه المُذكرات غير الرسمية يجِب أن تُرسل الى جهات محدودة في الدولة بعدَ إطلاع الحكومة عليها، فما السبب الذي دفع المديرية الى التعامل مع رسالة واردة إليها من السفارة الأميركية كمذكرة رسمية توزّع على الوزارات والإدارات من دون العودة الى مجلس الوزراء؟حصلت «الأخبار» على نسخ من «تعميم» وزارة الخارجية المُرسل الى عدد من الوزارات، والتي تولى بعضُها إرسال «تعميم» الخارجية إلى إدارات ومؤسسات مُرتبطة بها، وبعضها لا صلة لها بالعقوبات لا من قريب ولا من بعيد. وهذه النُسخ محددة وجهتها بالاسم وموقّعة من مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية اللبنانية السفير غادي خوري. وزارة الخارجية سبق لها، عام 2017، أن استشارت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، بشأن «الملاءمة القانونية والشرعية والدولية لجهة ما تضمنته مذكرة غير رسمية مسلّمة باليد من قِبل دبلوماسية في سفارة الولايات المتحدة الأميركية إلى بيروت والمتعلقة بالعقوبات الجديدة على شركات الطيران الإيرانية التي تسيّر رحلات جوية عبر مطار رفيق الحريري الدولي». وأكدت الهيئة حينذاك أنه «يعود لمجلس الوزراء أن يقيّم مدى وجوب أخذ مضمون المذكرة على محمل الجد، وبالتالي يضع ما يراه مناسباً من سياسة عامة للدولة في المجال موضوع طلب الاستشارة، وأن يتخذ بالتالي القرارات اللازمة لتطبيقها». ويستنِد رأي الهيئة إلى أن «التدابير أو العقوبات الواردة في المذكرة غير الرسمية غير صادرة عن أي جهاز من أجهزة الشرعية الدولية (الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن سائر المعاهدات والمواثيق الدولية المتعددة أو ثنائية الأطراف، ومن الطبيعي التزام لبنان بهذه الشرعية الدولية) كما أنها لا تدخل في موضوع أي معاهدة أو اتفاقية، أمنية أو غير أمنية مبرمة بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية، حيث بموجب المادة 65 من الدستور يدخل في اختصاص السلطة الإجرائية، صلاحية وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها».
ويُمكن القول إن هذه المذكرة التي وصلت نسخة منها الى عدد من الوزارات والإدارات يسري عليها رأي الهيئة السابق كونها آتية من السفارة الأميركية في بيروت (أي غير صادرة عن جهاز من أجهزة الشرعية الدولية)، وبالتالي كانَ من المُفترض أن تمُرّ على مجلس الوزراء لبتّها واتخاذ القرار في ما إذا كان يجِب التعامل معها على محمل الجد، غيرَ أن هذا الأمر لم يسلُك مساره الطبيعي، بل قفَز، عن قصد أو غير قصد، فوق السلطة الإجرائية، فمن الذي اتخذ القرار بذلك؟
الأوراق التي اطّلعت عليها «الأخبار» تؤكّد أنها مرسلة مباشرة من «الخارجية» إلى وزارات غير معنية بالعقوبات


«الأخبار» تواصلت مع خوري الذي نفى إرسال «الكتاب» إلى وزارات وإدارات في الدولة، لأن مثل هذه النُسخ تُرسل من «الخارجية» إلى «جهات أربع فقط، هي: وزارات العدل والداخلية والمالية ولجنة التحقيق في مصرف لبنان، وقد وصلت إليهم حصراً». خوري، الذي حاول بداية رفع المسؤولية عن المديرية بالقول إن «الوزارات قد تكون حصلت على صور من هذه المذكرة من مصدر آخر غير الخارجية»، أشار إلى أنه سيتثبّت من صحة الأمر. إحدى النسخ التي حصلت عليها «الأخبار» تؤكد أن خوري نفسه أرسل الكتاب إلى وزارة الطاقة، على سبيل المثال. هذا الواقع اضطر خوري إلى تبرير ذلك بالإشارة إلى «إمكان حدوثه عن طريق الخطأ»، قبلَ أن يستدرِك قائلاً: «في بعض الأحيان، يُصار الى إطلاع بعض الوزارات على هذه المذكرات إذا كان ما تتضمنه يدخل في مهامها»! ما يطرح أسئلة عدة عن سبب «إطلاع» الوزارات والجهات التي ذكرها خوري على لوائح العقوبات، وعما إذا كانَ هذا «الخطأ» (كما يقول خوري) يعكِس فعلاً حالة من الإهمال والفوضى في التعامل مع ملفات حسّاسة كملف العقوبات، أم أن وراء هذه التصرفات نيّة للتعامل مع مذكرات صادرة عن السفارة الأميركية بوصفها «أمراً» يجِب الالتزام به من دون العودة الى مجلس الوزراء؟