انتظرت قوات «اليونيفل» حتى مساء أمس، لتعلّق على التقرير الذي نشرته «الأخبار» في العدد الماضي، عن قيام سفينة يونانية علمية تعمل لحساب العدوّ الإسرائيلي بخرق السيادة اللبنانية وإجراء الأبحاث على البلوك النفطي 9، من دون أن تقوم اليونيفل بأي تحرّك.غير أن المتحدث باسم القوات، تيلاك بوكاريل، في ردّه على تقرير «الأخبار»، دعّم من حيث لا يدري الاتهام الذي وجهّه التقرير أمس للقوات الدولية، بتحيزّها للمصالح الإسرائيلية ضد مصالح لبنان.
قال بوكاريل إنه «ليس لدى اليونيفل دليل يشير إلى أن سفينة قد انتهكت المياه الإقليمية اللبنانية كما زعم التقرير الإعلامي، وعند تقديم الادعاءات، يتجاهل الصحافي حدود ولاية اليونيفل»، وأنه «ليس لدى اليونيفل تفويض لمراقبة خط العوامات الذي تم تثبيته من جانب واحد، من قبل إسرائيل، ولم يتم الاعتراف به من قبل لبنان أو الأمم المتحدة».
وعن قوة البحرية التابعة لليونيفل (MTF)، ثبّت بوكاريل الانحياز، باختصار مهمة اليونيفل، مؤكّداً أنه «لدى قوة اليونيفل البحرية مهمة محددة، وهي مساعدة البحرية اللبنانية في منع دخول الأسلحة أو المواد ذات الصلة، عن طريق البحر إلى لبنان، من دون موافقة الحكومة اللبنانية. وعليه، فإن انتشار قوة اليونيفل البحرية وتركيزها العملياتي، يتمحوران حول المتطلبات العملية لتوفير مثل هذا الدعم للبحرية اللبنانية».
وهنا وجب توضيح عدّة نقاط، أهمّها يتعلّق بالذريعة التي ادّعاها الناطق باسم القوات الدولية، حول عدم وجود دليل على انتهاك السفينة المياه الإقليمية اللبنانية، في لعب واضح على المصطلحات. أوّلاً، رصدت القوات البحرية اللبنانية هذه السفينة داخل بقعة عمليات القوات البحرية التابعة لليونيفل، والتي تمتّد من الشاطئ إلى عمق مسافة 200 ميل في البحر، حيث خرقت الخط اللبناني عند الساعة 1:19 (عند النقطة ذات الإحداثيات x: 34.766 – y: 33.207) فجر يوم 27 تشرين الثاني الماضي، ووصلت عند الساعة 7:10 صباحاً إلى عمق 5.6 أميال بحرية في داخل البلوك 9 (عند النقطة x:34.816 – y:33.291) وعادت وخرجت من المياه اللبنانية الساعة 8:37 (عند النقطة x:34.84 – y:33.184)، من اليوم نفسه. تحرّك السفينة لمدة سبع ساعات داخل بقعة العمليات البحرية لليونيفل، في مسافة لا تتجاوز ستة أميال بحرية (في سبع ساعات تبحر السفينة نحو 100 ميل بحري)، وهي تتحرّك بسرعة /5/ عقدة (وهي السرعة المثالية لإجراء مسح للأعماق البحرية)، فهو بالتأكيد تصرف يعتبر مشبوهاً، وفقاً لتعليمات اليونيفل المعتمدة منذ العام 2006. وإذا كانت أجهزة الرصد لدى مراكب القوة البحرية في اليونيفل لا تستطيع رصد مثل هذه السفن الكبيرة التي يمكن للقوات البحرية اللبنانية أن تكتشفها، فكيف إذاً ترصد المراكب الصغيرة، التي يمكن أن تقوم بتهريب الأسلحة الى لبنان؟ خصوصاً، أن تلك المنطقة صعبة الحركة على البحرية اللبنانية، بسبب ضعف القدرات وشبه الحظر الذي يضعه العدو الإسرائيلي على تحرك القوات اللبنانية في تلك البقعة الحساسة، ومن واجب اليونيفل بحسب مهامها مساندة الجيش اللبناني هناك.
وبحسب مهمة القوات الدولية، وجب على مراكب اليونيفل مناداة السفينة والتعرف إليها، والسؤال عن نية وجودها، ومن ثم إبلاغ الجيش اللبناني لاتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها، كونه وفقاً للمفهوم العملاني البحري، فإن هذه الحركة من سفن بهذا الحجم تؤشّر إلى أنها تقوم بأعمال «غير شرعية»، كتهريب الأسلحة، التي هي من صلب مهام القوة البحرية في اليونيفل. فليس المطلوب من هذه القوة مراقبة خط العوامات الذي ليس له علاقة بهذا الخرق، كما ردّ السيد بوكاريل، علماً بأن ثلاث قطع بحرية لليونيفل، على الأقل، موجودة باستمرار على طول الشاطئ اللبناني، بقيادة سفينة القيادة، إحداها تتمركز بشكل شبه دائم في ما يسمّى الـZONE2 من البحر، وهي المنطقة التي وقع فيها الخرق وتقوم بمهام المراقبة، بالتركيز على الأنشطة البحرية، لا سيما للصيادين الجنوبيين، على مقربة من الحدود مع فلسطين المحتلة. عدا عن آليات التنسيق «الفعالة» بين اليونيفل والعدو الإسرائيلي والوسائل الأخرى لمراقبة خط الطفافات، والتي تناساها السيد بوكاريل.
لم تمنع بحرية اليونيفيل سفينتي «لطف الله» من نقل السلاح إلى لبنان


تُرى، لو حصل أن دخلت سفينة سورية أو روسية، ذات طابع بحثي أو استكشافي، كيف سيكون ردّ القوات البحرية الدولية؟ هل كانت سترصدها وتبلغ الجيش اللبناني عنها والتعامل معها، أم أنها ستتجاهلها كما فعلت مع med surveyor التي تعمل لحساب العدو الإسرائيلي؟
كل هذه المعطيات تجعل من إهمال اليونيفل لوجود السفينة أمراً متعمّداً، ويفتح الأسئلة أيضاً عن دور القوّة البحرية لليونيفل تحديداً، التي يتمسّك بها العدو الإسرائيلي بشدّة، على عكس هيكيليات اليونيفل الأخرى. فما هو الإنجاز الذي سجّلته هذه القوات منذ عام 2006 حتى اليوم؟ فهي حتى في مهام منع إدخال السلاح إلى لبنان، لم تنجح، ولم تمنع سفينتي «لطف الله» من نقل السلاح إلى لبنان، وإرساله إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا.
التهرّب من المسؤولية عن حماية لبنان، والتركيز على أي تحرّك لبناني مهما صغر شأنه في منطقة عمليات جنوب الليطاني، باتا سلوكاً عاماً للقوات الدولية. مثلاً، في حادثة الاعتداء على الضاحية الجنوبية بطائرتين مسيّرتين، رمى قائد القوات الدولية بالمسؤولية عن ظهره، وحتى اليوم لم يُحسم لدى القوات الدولية إن كانت الطائرات انطلقت من البحر، وبالتالي من المفترض أن تتحمل مسؤوليتها القوات البحرية لليونيفل، أم من البر انطلاقاً من الجنوب، ويتحمل مسؤوليتها القائد العام للقوات الإيطالي ستيفانو ديل كول؟ في ظلّ «عداوة كار»، بين ديل كول والأدميرال إدواردو أوغستو ويلاند، وتقاذف للتهم والمسؤوليات.
وفي ظاهرة جديدة، لم تحدث مع أي قائد للقوات الدولية سابقاً، منذ العام 2006، يبدو تنفيذ القرار 1701، مجزّءاً على ثلاث جهات، ديل كول، ويلاند، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش، وكلٌّ من هؤلاء المسؤولين الأمميين يختار ما يريد تطبيقه ومتابعته، ويهمل ما لا يراه جزءاً من مهامه.
لبنانياً، علمت «الأخبار» أن الجيش اللبناني، الذي لم يصدر أمس أي بيان توضيحي كما لم يعلن الخرق في وقته بشكل رسمي، بخلاف ما درجت عليه العادة، بل نظّم كتاب اعتراض في اليوم التالي للخرق لرفعه إلى وزارة الخارجية، عبر وزارة الدفاع. من جهتها، تنتظر وزارة الخارجية وصول الكتاب بعد اكتمال إجراءاته البيروقراطية، لرفعه إلى الأمم وتقديم الشكوى. كما وجّه الجيش رسالة إلى بحرية اليونيفل، استفسر منها عن الإجراءات بخصوص وجود الباخرة ضمن بقعة العمليات.