يحصل أن يقع تجاوز، أو ربما أكثر، داخل جمعية خيرية تُعنى بالأطفال والقصّار المشرّدين. لكن أن تعدّد قاضية الأحداث في جبل لبنان جويل أبي حيدر أكثر من عشر مخالفات ارتُكِبت في أروقة «جمعية رسالة حياة»، فإن ذلك مسألة تدعو إلى فتح تحقيق عاجل، ولا سيما في ظل وجود معلومات متضاربة حول مصير رضيعين تُصرّ الجمعية، حتى اللحظة، على رفض تسليمهما إلى القضاء. وهذا ما تعدّه مصادر قضائية تهرُّباً، وخصوصاً أن قرار قاضية الأحداث مرتبط بهذه الحادثة تحديداً بعدما تبلّغت من مندوبتي حماية الأحداث بوجود طفل آخر عمره أشهر، غير الطفل موضوع الحماية البالغ من العمر سنة وشهراً والذي كانتا قد شاهدتاه قبل أيام. إزاء ذلك، طلبت القاضية تسليم الأطفال والقصّار، إلا أن الجمعية سلّمت القصّار، متمنّعة عن تسليم الرضيعين (بينهما الطفل المشكوك بتبديله). وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» من مصادر قضائية، أنّ الجمعية أمام خيارين: إمّا أن تُسلّم الطفل المطلوب حمايته، وبالتالي فإنّها بذلك لن تبرر من هو الطفل الآخر الذي شاهدته مندوبتا الأحداث قبل أيام، علماً بأنهما سألتا عن اسمه. أو أنها ستسلّم طفلاً آخر، وبالتالي لا مبرّر لديها لغياب الطفل «الأصلي». وفي هذا السياق، لدى القضاء اقتناع بأن الرضيعين غير موجودين وأن هذا هو سبب تلكؤ الجمعية عن إظهارهما طوال ثلاثة أيام.قضية الانتهاكات التي تعرّض لها قاصرون في الجمعية مع وجود شبهات بالاتجار بالأطفال، وهو موضوع التحقيق الذي فتحه النائب العام التمييزي غسان عويدات، أثارت الرأي العام في لبنان. وقد خرجت إلى الضوء بعد رفض رئيسة الجمعية الراهبة مريم حبشي تنفيذ قرار قضائي بتسليم رضيعين، ما أدى إلى توقيفها مع راهبة أخرى، قبل أن يُخلى سبيلهما خلال ساعات بعد دخول النائبة العامة في جبل لبنان غادة عون على الخط فجراً، كاسرة إشارة زميلتها القاضية نازك الخطيب. غير أن عويدات عاد واستدعاهما الى التحقيق اليوم لاستجوابهما في شبهات الاتجار بالأطفال.
البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، أكد أمس أن «أكثر ما تعنى به الكنيسة كأمّ هو التحرش الجنسي والاتجار بالأطفال. وما سمعناه بالأمس من تحرش وتعنيف في جمعية رسالة حياة لم نكن شخصياً على علم به (...) وأنشأنا على الفور لجنة للتحقيق، لكننا نطالب بالاحترام المتبادل لصلاحيات كل من القضاء العدلي والقضاء الكنسي». فيما ردّت الجمعية على الاتهامات في مؤتمر صحافي، أمس، بدأته بهجوم على الإعلام والقضاء. الأب العام للجمعية وسام المعلوف اتهم الإعلام بأنه «يُضلل الناس مرتكباً جريمة توازي جريمة القتل»، ودعا الى محاربة «الفساد الإعلامي الذي يختلق حقائق غير موجودة». وعلى وقع التصفيق، استهجن طريقة تنفيذ القرار القضائي، متحدثاً عن «صراخ الراهبتين من الألم أثناء توقيفهما»، من دون الاشارة إلى أن قرار تنفيذ القرار القضائي جاء بعد تبليغهما بالتنفيذ أكثر من مرة من دون أن تستجيبا، ومن دون تسليم الرضيعين أو إبراز أي وثيقة تثبت وجود قرار كنسي بالحماية.
هوّنت الجمعية من تعنيف القاصرين ومن الأغذية المنتهية الصلاحية

المعلوف اجتزأ في رده الاتهامات محاولاً تسخيفها، إذ إن ما ورد في القرار القضائي حصره بـ« قنينة كاتشاب منتهية الصلاحية، وبأخ في الجمعية استعار هاتف أحد القصّار ليشاهد أفلاماً إباحية»(!). إلا أنه لم يأت على ما ذُكر في متن القرار من اتهام للأخ يوسف ب. بالتحرش بجميع القاصرات في الجمعية. كما مرّ مرور الكرام على مسألة تحرّش القصّار ببعضهم البعض، إذ إن ذلك «ممكن وطبيعي أن يحصل لكونهم في سن المراهقة»! كما حصر الاتهامات بالتعنيف في «صفع راهبة لقاصر»، مغفلاً أيضاً ما ورد في إفادات القصّر عن تعرضهم لضرب شديد يتجاوز التأديب، وعن ترهيبهم لعدم الحديث عما يدور داخل الجمعية. وهاجم المعلوف قاضية الأحداث «التي كانت تمتدح الرهبنة، لكنها انقلبت عليها بعدما أرسلت عائلة لإعطائها طفلاً، ورفض الجمعية ذلك لوجود مشاكل بين الزوجين». وادعى بأن القاضية «رفضت التعاون بعد هذه الحادثة»، لافتاً الى سحب القاضية غادة عون الملف من يدها «لأنها تعاطت بكيدية»
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن القاضية أرسلت فعلاً عائلة لتبني طفل محدد بموجب قرار قضائي، لكن الجمعية رفضت استقبال العائلة لأكثر من ثلاثة أسابيع. وعند مراجعة القاضية رئيسة الجمعية بشأن عدم الاستجابة للقرار، جاء الرد بأن هناك عائلة أخرى ستتبنى الطفل. وعندما سألت القاضية عن الجهة التي طلبت ذلك، ردت الراهبة بأن الكنيسة تقرر ذلك، ما خلق ارتياباً لدى القاضية بشأن وجود الطفل، فطلبت رؤيته عبر مندوبتَي الأحداث، لكن الطفل الذي عرض عليهما كان غير الطفل الذي كانت القاضية قد سلّمته للجمعية.
هكذا صُوِّر الاتهام الموجّه للجمعية على أنه «مؤامرة للنيل» منها. إلا أن الحقيقة عند الأطفال وحدهم. والأنظار موجهة اليوم إلى القضاء الذي يُفترض أن يجري تحقيقاً شفّافاً لتحديد المسؤوليات كي لا تضيع الحقيقة.