لمن لم ينتبه، فإن لجنة المال والموازنة ستُنهي دراسة موازنة عام 2020، يوم الأربعاء المقبل. سخرية القدر تتجلى في هذا الخبر. إنجاز اللجنة للموازنة في 10 كانون الأول، وتحويلها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، يعني أنه سيكون بإمكان المجلس أن يقرّها في المهلة الدستورية. لكن هذا الحدث الذي يجري تصويره كإنجاز منتظر منذ عام 2005، والمتمثل بعودة الانتظام المالي إلى الدولة، سيأتي في زمن الانهيار. في الشكل، فإن انعقاد لجنة المال لمناقشة الموازنة هو حالياً الدليل الأول على وجود الدولة. كل شيء متوقف والسلطة في عجز تام، لكن لجنة المال لا تزال تجتمع وتناقش وتقترح، وصولاً إلى إقرار الموازنة. وفي الشكل أيضاً، تعيد هذه الخطوة الاعتبار للدستور. لكن عملياً لا أهمية لأي موازنة في ظل الأزمة المالية ــــ النقدية التي تخطّت كل الموازنات. وتأكيداً على ذلك، يوضح النقيب الأسبق لخبراء المحاسبة أمين صالح أن أي موازنة لا تكون جزءاً من منهجية توضع لحل الأزمة لا يعوّل عليها، وخاصة أن الانهيار المالي سببه في الأساس العجز في الموازنة. وعليه، فإن أي موازنة لا تُعالج مشكلة هذا العجز بشكل جوهري، بدلاً من الاكتفاء بتخفيضه نقطة أو نقطتين، ستكون «من دون لزوم».
أصحاب هذا الرأي يرون أن الانهيار الكامل للمنظومة المالية يأخذ في طريقه حكماً الانتظام المالي، أو على الأقل يلغي أهميته. حتى تخفيض العجز أو مساهمة مصرف لبنان في خفض خدمة الدين، كما هو مقترح في مشروع الموازنة، لن يكون مهماً. الأولوية لشطب ديون وفوائد دين، لكن مصرف لبنان يفضّل التشاطر على الناس وصغار المودعين بتخفيض الفائدة إلى 5 في المئة، من دون أن يفعل الأمر نفسه مع دائني الدولة، على الأقل الداخليين منهم.
في المضمون، لا تشكّل الموازنة أهمية تُذكر. فنحو 90 في المئة من مجموعها البالغ 24 ألف مليار ليرة، هي عبارة عن نفقات إلزامية (الرواتب والأجور والاستشفاء)، ونفقات قررت الدولة إلزام نفسها بها (خدمة الدين)، ما يعني أن صرفها هو التزام على الدولة لا يمكنها التغاضي عنه، بصرف النظر عن وجود الموازنة، وهي سبق أن التزمت به طوال سنوات غياب الموازنة. لكن مع ذلك، حتى صرف الرواتب أو دفع خدمة الدين العام، وهما البندان الأكبر من بين هذه الالتزامات يحتاجان إلى مسوّغ قانوني، أي الموازنة. والأهم أن الموازنة تضع حداً للإنفاق بدلاً من ترك الأمور على غاربها.
موازنة 2020 إلى الهيئة العامة الأسبوع المقبل


في اللجنة، ينكبّ النواب على مناقشة المشروع. أما رئيسها النائب ابراهيم كنعان، فيضع اجتماعاتها الحالية في إطار روتيني ينسجم مع العمل الذي بدأته اللجنة في عام 2010، حين فتحت ملف الحسابات المالية، ثم وضعت آلية لمناقشة الموازنات وإصلاح طريقة إعدادها.
وإذا كانت اللجنة قد ساهمت عملياً في تشذيب الموازنتين السابقتين، فقد فرضت نفسها مشاركاً في وضع السياسة الإنفاقية. في العام الماضي، كان «إنجازها» الأبرز مدّ اليد على المحميّات المالية. وهو ما استفزّ رئيس الحكومة سعد الحريري إلى درجة اتهامه اللجنة بالقيام بمسرحية، قبل أن يعود ويتراجع. والحريري نفسه عاد في الهيئة العامة وانفعل بشكل غير مسبوق، عندما خُفضت موازنتا أوجيرو ومجلس الإنماء والإعمار، مهدداً حينها بالانسحاب من الجلسة.
محمية أوجيرو يطاولها مقص اللجنة مجدداً. في مشروع الحكومة 100 مليار ليرة للألياف الضوئية، جمّدها النواب إلى حين الحصول على معلومات إضافية بشأن المشروع، الذي لم ينفذ منه خلال سنتين سوى 7 في المئة. رئيس اللجنة قدم اقتراحاً بتخفيض المبلغ حتى 30 مليار ليرة. وهو سبق أن وزّع على أعضاء اللجنة مجموعة من الاقتراحات التي تؤدي إلى خفض النفقات بمبلغ 453 مليار ليرة. كما طالب الحكومة بالتفاوض مع المؤجّرين لخفض بدلات إيجار المباني المستأجرة من قبل الدولة.
كل ذلك ربما يكون مهماً. لكن أحداً لن يشعر بأهميته. فجأة، تحوّل الموجب الدستوري الأهم ربما إلى مسألة ثانوية، إذا ما قورن بالانهيار الشامل وغير المسبوق. ولهذا ربما صار بإمكان السلطة إنجازه، فيما لا تزال غائبة عن مواجهة الأزمة التي تعصف بالبلد.