على الرغم من ذلك، لم يصل الردّ على هذا «الإجرام» بعد إلى مستوى حجمه. فلم يتخذ طابعاً ثورياً عنفياً مُوجّهاً، يُجبر الطبقة الحاكمة على التنازل. المبادرات لا تزال في إطار «السلمية»، وتأخذ أكثر طابع «التنشئة العامة»، كالجولات على المصارف أمس في صيدا وعكار وبعلبك وبيروت، التي نظّمها قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي، والحركة الشبابية للتغيير، ومجموعة «تأميم». من دوافع التحرّك أنّ «المصارف هي الذراع التنفيذية التي عبرها كانت تنهب الطبقةُ الحاكمةُ خزينة الدولة… ولأن المصارف نهبتنا عبر الدين العام والهندسات المالية… وتحتجز اليوم أموال الناس ورواتبهم».
سار المُحتجون في الشارع، هاتفين ضدّ رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير وحكم الدولار. كانوا ما إن يقتربوا من أحد المصارف حتى يُسارع عناصر الأمن إلى إقفال الأبواب، من دون أن ينجحوا دائماً في منعهم من الدخول. أمام مصرف «عوده» في الجميزة، خرجت مديرة الفرع «تُفاوض»، موافقةً على دخول واحد منهم ليقرأ البيان من دون تصوير، مُتذرّعة بـ«الحفاظ على خصوصية الزبائن»، من دون أن تدري أنّ في الداخل «رفاقاً» كانوا ينتظرون لتوثيق الوقائع وبثّها على وسائل التواصل الاجتماعي. البيان الذي ألقاه مسؤول بيروت في قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي محمد بزيع، هو نفسه الذي كُرّر في كلّ الفروع، ويشرح عن «النموذج الاقتصادي الذي اتّبعته السلطة السياسية منذ الـ 1992 بالاستدانة بفوائد عالية من المصارف وكبار المودعين فيها.
الجولات أمام المصارف تندرج في سياق تكريس خطاب مُعادٍ لها
حققت المصارف طوال 30 سنة، أكثر من 80 مليار دولار أرباح الفوائد التي تدفعها الدولة». وأقل من «1٪ من المودعين يملكون 50٪ من الودائع... وإلى جانب نهبها لخزينة الدولة والأُسر، تقوم المصارف اللبنانية بمخالفة القوانين اللبنانية ولا سيّما قانون النقد والتسليف، حيث ترفض التعامل بالليرة عندما يريد المواطن تسديد دفعاته بالليرة، وتُصرّ على تقاضيها بالدولار، تضع سقفاً أسبوعياً على السحوبات، وتمتنع عن إعطاء صغار المودعين أموالهم». لذلك، المطلوب «إجبار المصارف وكبار المودعين على دفع ثمن إنقاذ البلد من الانهيار، بدءاً بشطب جزء من الدين العام وصولاً إلى مصادرة ودائع طبقة الـ 1٪ وتأميم المصارف، مصادرة الأرباح التي حققتها المصارف عبر الهندسات المالية، وفرض ضرائب ثابتة على الودائع والفوائد وأرباح الشركات المالية والعقارات الكبيرة».
في «عوده» ــــ الجميزة أيضاً، «نجحت» مودِعة في سحب ألف دولار. «الوصفة» هي في الصراخ لتحصيل الحقوق. كانت الموظفة تقول للفتاة إنّها لا «نستطيع أن نعطيك أكثر من 400 دولار»، ولكن على وقع الضغط الذي مارسه المعتصمون، أتت الموافقة سريعاً بسحب الـ 1000 دولار. كان يُفترض أن يُرافق المعتصمين مودعون في المصارف يريدون المُطالبة بودائعهم، لكنّهم تخلفوا عن الحضور.
يشرح محمد بزيع لـ«الأخبار» أنّ ما حصل أمس «لا يُعدّ تصعيداً ضدّ المصارف، بل يندرج في سياق تكريس خطاب مُعاد لها، وكسر هيبتها لدى الناس». يُدرك أنّ هذه الخطوات، على أهميتها، «غير كافية، لذلك إجباري أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً».