أذكت دماء الشهيدين حسين شلهوب وسناء الجندي النقمة على قطع أوتوستراد بيروت - الجنوب الذي يتكرر منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول الماضي. ضحيّتا حادث السير الذي وقع قبيل تجمع المحتجين عند بلدة الجية، تحولا إلى مادة سجالية بين مؤيدي الانتفاضة ورافضيها.في التفاصيل التي وثّقها تسجيل مصوّر أُخذ من إحدى كاميرات المراقبة فجر أمس، فإن السيارة التي كان يقودها شلهوب من الجنوب باتجاه بيروت، اصطدمت بداية بعوائق حديدية وضعت على الطريق، ثم بعمود إنارة قطع الطريق عرضياً. وبين الاصطدامين، لوحظ وجود عدد من الشبان يقفون عند الجانب الغربي للمسلك الشرقي، سرعان ما تحلقوا حول السيارة التي اشتعلت فيها النيران. إلى جانب شلهوب، جلست في المقعد الأمامي شقيقة زوجته سناء الجندي، وفي المقعد الخلفي جلست ابنة شلهوب، نور. الأخيرة التي أصيبت بجروح طفيفة قالت إنهم شعروا بارتطام قوي لجسم ما بالسيارة، ما أدى إلى ارتباك والدها وفقدانه السيطرة على السيارة التي سرعان ما اشتعلت فيها النيران، منطلقة من جانب السائق. تمكنت نور من الترجّل سريعاً، لكن شلهوب والجندي لم يستطيعا ذلك، رغم أنهما كانا لا يزالان على قيد الحياة. أحكم قفل بابيهما لأسباب لم يحددها التحقيق بعد، ما تسبب في احتراقهما. أمام هول النيران، صرخت نور مستنجدة بشبان هرعوا من كل جانب، إضافة إلى جنود الجيش الموجودين في المكان. ولم تنفع محاولات إطفاء الحريق في إنقاذ الجندي وشلهوب.
الجيش ومخفر برجا فتحا تحقيقاً في الحادث، وسط تضارب المعلومات عن هوية الشبان الذين ظهروا في التسجيل المصور. البعض قال إنهم جنود من القوة العسكرية التي كانت منتشرة في المكان فور قطع الطريق.
في محيط الحادث على أوتوستراد برجا - الجية، لم يتجدد قطع الطريق يوم أمس. لكن لجنة «ثوار برجا» لم تحسم مصير تجمعها الدائم الذي يتمدد بين الحين والآخر نحو طريق الجنوب، فيقفلها ويحوّل السير نحو الطريق البحرية. أحد الناشطين جمال ترّو رفض في حديث إلى «الأخبار» الاتهامات التي تساق إلى ناشطي اللجنة بالتسبب في الحادث. «من هو صاحب العقل الشرير الذي سيتعمّد التسبب في حادث كهذا؟» قال، نافياً المعلومات التي تحدثت عن التعرض للسيارة بالحجارة أو رمي مولوتوف. ترّو لم ينف قطع الطرق «لكن ليس على أهلنا في الجنوب الذين تزوجت منهم. ما نقوم به جزء من تحركات تحصل في المناطق كافة وتهدف إلى الضغط على السلطة». ترو ربط الحادث بسرعة السيارة التي اصطدمت بالعمود «الذي قد يكون أشعل شرارة النار». من قرر قطع الطريق بالعمود من دون إشارات إنذار مسبق على طريق دولي سريع؟ ثمة إجابتان؛ الاولى تقول إن مجموعات من تيار المستقبل تبدأ بقطع الطرق، ليلتحق بها محتجون آخرون، وإن هذه المجموعات قطعت الطريق في النقطة التي وقع فيها الحادث. رواية أخرى قالت إن المحتجين بعيدون عن نقطة الحادث نحو 500 متر، وإن الجيش قطع الطريق بالقواطع الحديدية، لتحويل السير نحو الطريق البحرية، لمنع الاصطدام بين ركاب السيارات وقاطعي الطريق.
ازدياد النقمة مع ساعات النهار، دفع بـ«بلدية ومخاتير وعموم أهالي برجا» إلى إصدار بيان مساءً أكدوا فيه أنه «منذ ٤٠ يوماً لم يتعرّض أي مواطن للأذى في منطقة الجية»، مطالبين الأجهزة الأمنية بـ«إظهار نتائج التحقيق بأسرع وقت ممكن، لمنع الاصطياد في الماء العكر».
تبريرات «الثوار» لم تبدّد الغضب الذي انفجر بين بيروت والجنوب والمناطق، رفضاً لقطع الطرق، ومنهم من استطرد داعياً إلى فضّ التحركات الشعبية. أنصارية (قضاء الزهراني) شيّعت الشهيدة الجندي التي اعتادت مغادرة بلدتها بداية كل أسبوع للإقامة في بيروت ومساعدة شقيقها في محل يديره، فيما يشيّع شلهوب صباح اليوم عند العاشرة والنصف في بلدته طيرفلسيه (قضاء صور)، بعد وصول زوجته وفاء من قطر حيث كانت في زيارة لابنتها. سناء، السيدة المنتمية إلى عائلة متواضعة، لم تحظَ بحملات التضامن المعتادة. شقيقها جهاد بصدد رفع شكوى ضد من تظهره التحقيقات متورّطاً في مقتلها، وفق قريبها يوسف الجندي. تلك الشكوى هي الثالثة بعد شكويين مماثلتين ستتقدم بهما أرملة شلهوب وفاء، والناجية نور.
بري: درءاً للفتنة، ندعو القوى الأمنية والجيش إلى إبقاء أوصال الوطن سالكة


الرئيس نبيه بري اتصل بعائلة الشهيدين، مستنكراً قطع الطرق في المناطق. وقال: «درءاً للفتنة التي نربأ بكل اللبنانيين على مختلف توجهاتهم وانتماءاتهم تجنّب الوقوع بمنزلقاتها الخطرة، نجدّد الدعوة الى ​القوى الأمنية​ و​الجيش​ اللبناني بضرورة التشدد في إبقاء أوصال الوطن سالكة أمام اللبنانيين، كل اللبنانيين، مع المحافظة على الحق في إبداء الرأي تحت سقف القانون، وبما لا يمس بالسلم الأهلي وبأعراض وكرامات الناس، كل الناس، وبالممتلكات العامة والخاصة»، فيما اعتبر حزب الله في بيان أن «الجريمة المروّعة نجمت عن اعتداءات ميليشياوية تقوم بها مجموعات من قطاع الطرق تمارس أبشع أساليب الإذلال والإرهاب بحق المواطنين الأبرياء أثناء تنقلهم على الطرقات». وقال «إن هذا الاعتداء الآثم الذي استهدف الشهيدين العزيزين هو بمثابة اعتداء على كل اللبنانيين، وهو تهديد للسلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي، ولهذا ندعو الجميع إلى تحمل المسؤولية الكاملة وكشف هذه الجريمة الإرهابية ومعاقبة المعتدين».