قبل أشهر قليلة، كان السؤال المحوري بشأن العلاقة بين «القوات» و تيار «المُستقبل»: هل سلكا طريق الانفصال من دون عودة؟ في الأيام الأخيرة، صار السؤال يتمحور حول قدرة الطرفين على توفير أرضية مشتركة تعيدهما الى الماضي البعيد، في ظل التطورات الراهنة، والعلاقة «المُفخخة» بين الرئيس سعد الحريري من جهة، وفريق 8 آذار من جهة آخرى؟ رُغم «تعليق» التحالف بين الحريري والوزير جبران باسيل، والتبدّل الذي حصل في المعادلة اللبنانية بعد اندلاع انتفاضة 17 تشرين، ليسَ من تغيّر يُذكر في شكل العلاقة القواتية ــــ المستقبلية حتى الآن. صحيح أن «لا قطيعة… لكن العلاقة ليست جيدة» وفق ما تقول مصادرهما. كلاهما يسير في الطريق نفسه، محاولاً وضع نفسه في صفوف «الثوار» من دون أن يصِلا الى نقطة التقاء لإعادة وصل ما انقطع. الجدار الفاصل الذي بنته عدة محطات، بدءاً بالتسوية الرئاسية، وصولاً الى انقلاب جعجع على الحريري يومَ أٌجبر الأخير على تقديم استقالته في الرياض، تمدّد وازداد متانة داخل الحكومة.يقول مطّلعون على خطوط التواصل بين وادي أبو جميل ومعراب إن هذه العلاقة أخذت منحى أكثر سلبية قبل استقالة الحريري بفترة قصيرة، لأسباب عدّة. فالرئيس المستقيل للحكومة «لم يكُن يريد لأي صوت أن يعلو فوق صوت تحالفه مع التيار الوطني الحرّ، وكانت يعتبِر أن أي موقف لا يتوافق مع قراراته داخل الحكومة يُعدّ استهدافاً شخصياً له». هكذا «فسّر موقف القوات من موازنة 2019 »، معتبراً أنها «تراجع عن التفاهم ورسالة ضده». منذ ذلك الوقت، لم يُسجّل أي لقاء مباشر بينه وبين رئيس القوات سمير جعجع (آخر لقاء في 18 حزيران الماضي). ثم أتت مطالبة جعجع (قبل 17 تشرين) بحكومة اختصاصيين كحلّ وحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، فكانت شرارة أخرى ساهمت في إشعال الحرب الصامتة بينهما، من دون أن تُترجم بتراشق إعلامي. لكن فريق رئيس الحكومة كان دوماً يروّج بأن «اللقاءات التي يعقدها جعجع مع السفراء ويؤكد فيها على ضرورة تأليف حكومة تكنوقراط، إنما هي استهداف للحريري كرئيس حكومة». وقد بدت إطلالة جعجع التلفزيونية في برنامج «صار الوقت» على قناة «أم تي في» في الأول من آب، يوم اعترض على طريقة إدارة الملفات، وكأنها فرصة للحريري للاقتناع أكثر بأن «القوات منزعجة من علاقته بباسيل، وتسعى الى ضرب التسوية القائمة على معادلة ميشال عون في بعبدا مقابل وجوده هو في السرايا الحكومية».
ضوابِط خارجيّة تتحكّم بعلاقة جميع مكوّنات 14 آذار على خلافاتهم


الحراك الذي باغَت المشهد اللبناني، أخيراً، لم يؤدِّ إلى إعادة المياه الى مجاريها. «القوات» و«المستقبل» اليوم في الشارع، يُحاولان تسلّق الانتفاضة وسرقتها من خلال اندماجهما في صفوف المتظاهرين من دون صفة رسمية. لكنّ كلاً منهما يفعل ذلك منفرداً، وإن جمعتهما الخطابات والشعارات المطلبية الواحدة علناً، أو السياسية ضمناً. هل من تواصل بين معراب و«بيت الوسط»؟ بحسب المعلومات، «لا تزال هناك خطوط مفتوحة بين الوزيرين السابقين ملحم رياشي وغطاس خوري، لكنها تأتي في إطار النقاش حول المرحلة الراهنة أكثر من كونها تنسيقاً أو اتفاقاً على أمور معينة».
حينَ يُسأل القواتيون والحريريون عن المانِع الذي يحول دون عودة التحالف المتين الذي طبع علاقتهما قبل التسوية الرئاسية، يُجيب هؤلاء بأن «القرار هو عند الحريري نفسه الذي يبدو أن قلبه لم يصفُ بعد تجاه الحكيم». حتى إن بعض من يقابلون الحريري يؤكدون أنه لا يزال يفضّل بقاء القوات خارج أي حكومة مستقبلاً. لكن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، وإن لم يجتمعا اليوم ضمن تحالف واحد. أهم النقاط الجامعة «نظرتهم تجاه سلاح المقاومة ورفض العلاقة مع النظام السوري»، عدا عن أنهما «يدركان أن سقوط أي طرف منهما يعني سقوط الطرف الآخر، وتنسحب هذه النظرة على النائب السابق وليد جنبلاط». يذكّر هؤلاء كيفَ وقفَ الحريري الى «جهة جنبلاط بعدَ حادثة قبرشمون واتخذ موقفاً مؤيداً له، علماً بأن العلاقة مع باسيل لم تكُن قد وصلت الى ما هي عليه اليوم»، معتبرين أنه «لو كان جعجع مكان جنبلاط لاتخذ الحريري الموقف نفسه». وبالنسبة الى المصادر نفسها، «هناك ضوابِط خارجية تتحكم بعلاقة جميع مكونات 14 آذار، على خلافاتها، وهذه الضوابط متصلة بالموقف السعودي الذي يسعى الى عدم انهيار علاقات قوى 14 آذار بالكامل». قد لا يكون ما حصل أخيراً في الشارِع سبباً كافياً لعودة القوات والمستقبل إلى سابق عهدهما، لكنهما عادا اليوم الى الخندق نفسه. الأكيد أن المواقف السياسية وتحركات مناصريهما في الشارع ليست ثمرة تنسيق ثنائي، إلا أنها تخدم مشروعاً واحداً وهدفاً واحداً. وقد ظهر ذلك جليّاً بعدما خلع كل من الحريري وجعجع القفازات في مواجهة صارت علنية ومكشوفة ضد فريق 8 آذار.